كثرت الأمراض التي تهيمن على البشر وتهلكهم؛ منها ما يفتك بالجسد ويهلكه ويذيبه لسبب عضوي ومنها ما يهلكه ويذيبه لسبب نفساني بحت.. كما الحسد والغل وكراهية الخير للغير. ولعلها جميعاً تختزلها مفردة الحسد وتحتويها؛ وما الحسد إلا تمني زوال النعم عن الآخرين لغيرة من اختصاصهم وامتلاكهم هذه النعم من أملاك وأموال وأولاد وغير ذلك مما يميل له قلب البشر ويتمناه.
وهو أبغض صفة عرفها الإنسان منذ قديم الزمان، فتجد الحاسد همه الأول مراقبة الناس في أحوالهم وأرزاقهم فيحزن الحاسد لفرح من حوله، ويفرح لحزنهم، ويتمنى أن تكون كل نعمة أنعم بها الله على إنسان له دون غيره؛ وهو بذلك عكس الغبطة التي يتمنى المرء مثلها دون زوالها عن الشخص المغبوط.
والحسد كما ذكر بعض العلماء هو أول الذنوب التي تسببت في خروج صاحبها من الجنة، وهو إبليس، وذلك عندما حسد سيدنا آدم عليه السلام. فكان أصل أول الشرور الحسد والغيرة!
وتبعاً لهذا الشعور النفساني المركب تكبر البغضاء وأشد آفات النفس خبثاً في القلوب وتعصف رياح العداوة والكراهية الدفينة في القلوب الضعيفة ليصاحبها رغبة في الانتقام من أي شخص ناجح إلى حد إيذائه والتقليل منه والبحث عن الأخطاء وتضخيمها لاستثمارها في تدمير النجاح في العمل أو الاستقرار في الأسرة، والحرص على التفريق بين الناس وإثارة الفتن. ويعتقد الحاسد ضالاً بأن هذه التصرفات تريح نفسه وتطفئ ناره، بيد أن ما يحصل هو العكس؛ فيزداد كآبةً وبؤساً.. قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (النساء:54).
وفي السنوات القليلة الأخيرة بتنا نلاحظ بلا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تأجيج نيران الغيرة والحسد في قلوب كثيرين؛ حيث لا يتوانى بعض الناس من استعراض موائدهم العامرة وحدائقهم الغناء وبيوتهم الكبيرة الجميلة وسياراتهم الفارهة مختالين بتلك النعم متناسين من قد يكونوا يتابعونهم ممن لا يملكون قوت يومهم أو ممن يمتلك ما لديهم أو أقل وربما أكثر؛ لكنه رغم ذلك لا يفتئ يراقب ما لدى الآخرين ويحصي نعمهم ويتمنى زوالها.
ولأن كل ذي نعمة محسود فلا بد من الالتزام بالأذكار وقراءة القرآن والرقية الشرعية فالله خير الحافظين؛ وعلى كل حاسدٍ استشعار هذا الذنب وعلاج هذا الداء بذكر الله على ما أعجبه والإكثار من الدعاء والاستغفار، والحرص على البعد عن مراقبة الناس واستشعار غضب الله عز وجل على الحاسد؛ فما الأرزاق إلا بيد الله يهبها لمن يشاء فلا اعتراض على حكمه عز وجل ولا مشيئة إلا مشيئته.
واعلموا أن الرزق إن نقص من شخص فهو لن يكون ملكاً للحاسد أو غيره، هو ملك لله وحده يهبه من يشاء.
قال الفضيل بن عياض:
الغبطة من الإيمان،
والحسد من النفاق،
والمؤمن يغبط ولا يحسد،
والمنافق يحسد ولا يغبط،
والمؤمن يستر ويعظ وينصح،
و الفاجر يهتك ويعير ويفشي
أسال الله الهداية لي ولكل من يحمل في قلبه حقداً أو حسداً أو كراهية.