د. عبدالحق عزوزي
توفيت الملكة إليزابيث الثانية عن عمر يناهز 96 عاماً في قصر بالمورال بإسكتلندا، بعد أن أوتيت الملك لمدة قياسية بلغت سبعين عاما؛ وخلفها تلقائيا ابنها الأكبر تشارلز البالغ من العمر 73 عاماً، عملا ببروتوكول عمره قرون.
وكانت آخر الصور التي التقطت لها لدى تعيينها ليز تراس رئيسة للوزراء، هي الخامسة عشرة في عدد رؤساء وزراء بريطانيا الذين عينتهم؛ وظهرت الملكة في الصورة وهي ضعيفة وتتكئ على عصا ولكن مع ابتسامة لم تغادرها أبدا.
وعاصرت الراحلة رجالاً كباراً في عالم السياسة في العالم، وشهدت بناء جدار برلين، ثم سقوطه، والتقت 12 رئيساً أمريكياً.
معرفتي بالمؤسسة الملكية في بريطانيا مرده إلى تدريسي في الجامعة لمادة علم السياسة وبالأخص فصل الأنظمة السياسية في العالم؛ فبريطانيا من أعرق الديمقراطيات في العالم ولها طقوس وعادات راسخة في صفحات التاريخ؛ وهي من القوات العسكرية والاقتصادية عبر مرور الأزمان؛ ولكن اطلعت على حيثيات أخرى غير مسطرة في كتب التاريخ السياسي وبعضها مستوحاة من الأرشيفات غير المنشورة، عرضه مسلسل التاج الناجح «The Crown,» الذي سبق وأن فاز بعدة جوائز دولية.
و»التاج» هو مسلسل درامي وسيرة ذاتية، من إعداد وكتابة بيتر مورغان وإنتاج شركة «ليفت بانك» حيث يحكي بطريقة شيقة وتاريخية قصة الملكة إليزابيث الثانية وسيرتها منذ زواجها في عام 1947، زيادة على أفراد آخرين في العائلة المالكة في بريطانيا؛ ويسافر بنا المسلسل بالمشاهد إلى بريطانيا طيلة حكم الملكة إليزابيت، تتخللها حقبة رئيس الوزراء السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل وصولا إلى حقبة مارغريت تاتشر التي استلمت مقاليد الحكم، لتكون أول امرأة بريطانية وأوروبية تشغل منصب رئيسة وزراء، ووصولا أيضا إلى حياة ديانا سبنسر، أميرة ويلز، حيث تصوّر لنا حلقاته لقاء ديانا والأمير تشارلز، وانتقالها إلى قصر باكنغهام بعد زواجهما، وتعلق الأمير بكاميلا باركر، وما عانته الأميرة من وحدة وألم، وكيف أضحت العلاقة الزوجية بينهما لا تطاق...
أحدث المسلسل زوبعة كبيرة في بريطانيا خاصة فيما يتعلق بحقبة ديانا إلى درجة أن وزير الثقافة البريطاني السابق أعلن أن المسلسل من وحي الخيال؛ وطالب هذا الأخير، من «نتفليكس» التنويه بأن العمل هو مسلسل خيالي، موضحاً أن بعض الأحداث التي تم تصويرها في العرض «ينبغي أن لا تؤخذ على أنها حقيقة»، مشدداً على ضرورة إضافة إشارة تؤكد أن العمل خيالي في بداية كل حلقة؛ وقال الوزير بالحرف: «إنه عمل خيالي تم إنتاجه بشكل جميل، لذا يجب أن تكون نتفليكس واضحة جداً من البداية، ومن دون هذا الإعلان، أخشى أن جيلاً جديداً من المشاهدين لم يعش هذه الأحداث، قد يخطئ ويظن أن الأحداث التى وقعت في المسلسل هي أحداث حقيقية». ولكن مع ذلك ولو أن هاته الدراما «متخيلة» لكنها «مستندة على تعامل مع وقائع على نحو حر»، وتعطي صورة تقريبية عن نمط الحياة، وهذا ما سبق وأن صرح به الأمير هاري...
وقد أكد تشارلز الثالث خلال إعلانه رسميا ملكا لبريطانيا في مراسم تاريخية، أنه «يدرك جيدا الواجبات والمسؤوليات الكبيرة» المناطة بالملك. وقال أمام مجلس اعتلاء العرش الذي يضم مستشارين سياسيين ودينيين كبارا، إنه سيبذل كل جهده ليسير على نفس «المثال الملهم» لوالدته الملكة إليزابيث، وأضاف قائلا: «إنني أدرك تماما هذا الإرث العظيم والواجبات والمسؤوليات الجسيمة للسيادة التي انتقلت إلى الآن (...) وفي تحمل هذه المسؤوليات، سأعمل جاهدا لاتباع المثال الملهم الذي تم إرساؤه لدعم الحكومة الدستورية والسعي لتحقيق السلام والوئام والازدهار لشعوب هذه الجزر ودول الكومنولث والمقاطعات في جميع أنحاء العالم»... وقد وجه تشارلز الثالث الشكر «لأمه الحبيبة» ووعد بخدمة البريطانيين طيلة حياته معيدا استخدام نفس العبارات التي استخدمتها الملكة إليزابيث الثانية خلال خطابها الأول عندما أصبحت ملكة سنة 1952.
وتبدو مرحلة ما بعد الملكة إليزابيث الثانية معقدة، لا سيما أن شعبية الأمير تشارلز مختلفة عن شعبية والدته، وبريطانيا تمر بمرحلة اقتصادية صعبة في محيط جهوي ودولي تغطيه غيوم السحاب؛ وستكون أمام الملك تشارلز مهمة صعبة لن تكون طويلة على غرار المدة التي قضتها والدته في الحكم بالنظر لعمره، وهو ملزم بترك بصماته الخاصة في هاته الفترة القصيرة.