عطية محمد عطية عقيلان
منذ الأزل ووجود الإنسان على الأرض، يتم تخليد الأسماء والوقائع، أما بشكل إيجابي لكل من يسهم في فضيلة أو فائدة، وذلك بالذكرى الحسنة، وأما بذكرى سيئة تستدعي ذهابهم إلى ما يسمى»مزبلة التاريخ»، وكان من أسباب شيوع هذا المصطلح، مقولة ليون تورتسكي، في عام 1917م بسبب انسحاب المنشفيكين من مؤتمر السوفيتين، حيث قال «إنكم أناس بائسون، منعزلون، انتم مفلسون، انتهى دوركم، اذهبوا إلى حيث تنتمون من الآن فصاعداً، أنتم في مزبلة التاريخ»، وأصبحت ذات دلالة ساخرة وحقيقية، تطلق على أشخاص أو وقائع، أو أحداث، أو عصور، لهم أدوار أو مواقف أو أفعال سلبية، علما أن هذا المعنى قديم، قدم الإنسان، فيتم تخليد الأسماء أو الوقائع، وهي تحديد أما المقصود بها الذكرى الحسنة أو وقوعها من ضمن ما يدخل في مزبلة التاريخ، وعند ذكرها تعرف الصفات التي تستدعى، حتى ولو في مزبلة التاريخ، ومنها على سبيل المثال:
- في الوسوسة والتغرير، يستحضر ابليس ويستعاذ منه، ويقال عنه «الوسواس الخناس»، وتطلق على كل شخص يوسوس لك في عمل الشر والسوء.
- شخصية أبورغال تطلق على كل من يخون قومه ويغدر، حيث كان الدليل العربي، لجيش أبرهه الحبشي لرجم الكعبة، وأصبح هذا اللقب أبورغال لكل خائن وغدار.
- وعندما ذكر الحلم يستدعى الأحنف بن قيس وما اشتهر به من حلم وحسن خلق، فيقال «أحلم من الأحنف».
- وعند الاتصاف بالوفاء والوعود، يستدعى الجاهلي السموأل، فيقال «أوفى من السموأل».
- وفي الكرم والجود، يذكر فورا حاتم الطائي، ويقال «أجود من حاتم».
- وفصاحة اللسان والبيان، يشتهر سحبان بن وائل، فيقال « أفصح من سحبان بن وائل».
- وفي القدرة على التفريق بين الحق والباطل، تستدعى سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، والذي أطلق عليه «الفاروق».
- وفي الطمع والتطفل على الآخرين، يضرب المثل بأشعب، ويقال «أطمع من أشعب».
- وفي الدهاء الحربي في الصحراء يضرب المثل برومل، وأطلق عليه ثعلب الصحراء.
- وفي الكذب والادعاء المزيف يحضر مسيلمة الكذاب، والذي ادعى النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبح يقال: أكذب من مسيلمة».
التاريخ لن يتوقف عن تخليد الأسماء التي خدمت البشرية وقدمت ما ينفع الناس وينشر الإيجابية، ويتم النظر لهم كمؤثرين ومغيرين نحو حياة أفضل لشعوبهم وللبشرية جمعاء، سواء كانوا أنبياء ورسل، أو مفكرين وفلاسفة، أو ملوك وحكام، أو علماء ومعلمين وإعلاميين ..الخ، وكل فرد منا يطمع أن يكون ذا ذكرى حسنة ويترك انطباعا إيجابيا في حياته، والتي تستلزم منا أن نتصف بحسن السلوك والخلق والمعشر، وأن نقدم ما نستطيع حسب إمكاناتنا وقدراتنا، وندعم من حولنا ومساعدتهم وتقديم يد العون والقيام بدور إيجابي في مجتمعاتنا على كافة الأصعدة التي نستطيع القيام بها، واضعف الإيمان كما يقال ألا نبحث أن نكون في مزبلة التاريخ بسوء خلقنا ونصبنا عليهم، أو لا يتم ذكرنا إلا بالسوء والغدر والكذب والخيانة، أو أي من الصفات السيئة التي ستلتصق بنا عند ذكرنا، ولنطبق قاعدة إذا لم تنفع فلا تضر، وإذا لم تذكر محاسن من وقف معك فلا تسيئ له، وإذا لم تمدح بالحقائق التي تعلمها فلا تكذب وتفتري أو تنقل بالسوء.
خاتمة: التاريخ مليء بأسماء ووقائع خدمة البشرية وأثرت فيه ودفعته للتقدم والنمو والتطور، وتركوا أثرا أخلاقيا وعلميا، لم ينقطع من آلاف السنين، يقول الفيلسوف الصيني كونفشيوس الذي عاش في 500 قبل الميلاد «الرجل النبيل معتدل في أقواله، ولكنه يتخطى ذلك في أعماله»، ويقول الشافعي:
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس غايات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات