فهد بن عبدالله الخلف
يُخطِئ بعض الكاتبين -بحسب قواعد الإملاء الحديث- عندما يزيدون ألفًا في آخر الفعل المضارع المختوم بالواو نحو: يدعو، ويدنو فيكتبونها: يدعوا، ويدنوا، وسبب هذه التخطئة خوف اللبس بالفعل المضارع المسند إلى واو الجماعة. ويخطئ أيضًا بعضهم بزيادة الألف في آخر جمع المذكر السالم المرفوع المحذوف النون للإضافة نحو: مهندسوا المشروع، ومحبّوا الخير.
وكان السبب في كتابة هذا المقال أنّي كنت أتصفّح مقدّمة تحقيق كتاب جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشيّ التي كتبها المحقّق الدكتور محمّد بن عليّ الهاشميّ عندما وصف مخطوطة مكتبة الفاتيكان (ذات الرقم: 1054) للجمهرة، وتحدّث عن خصائص الكتابة في هذه المخطوطة، وقال منها: «إلحاق ألف زائدة بعد الواو الواقعة لامًا للفعل نحو: تعدوا وتشكوا»(1)، ويفهم من النصّ السابق أنّ هذا الخطأ -بحسب قواعد الإملاء الحديثة- قد يكون منتشرًا في أوساط بعض الخاصّة، والعامّة في القرن السابع الهجريّ، وما حوله، وقد وافق الفراغ من نسخ هذه المخطوطة، في شهر ربيع الآخر من سنة 612ه(2)، وهذا ما حفزني إلى مزيد من الاطّلاع على مواضع زيادة الألف الفارقة في بعض مدوّنات علم الرسم في التراث العربيّ اللغويّ؛ لأرى أتحدّث عنها العلماء المتقدّمون أم لا؟ فبدأتُ بكتاب الخطّ لابن السرّاج (ت316ه) الذي ورد فيه قول: الخليل بن أحمد (ت 175ه) «منتهى الواو بعد أن يخرج من الشفة ألف فزادوا هذه الألف بعد واو الجمع؛ لتعرف من واو يدعو ويغزو، واو (لو) ونحوها»(3)، ونقل ابن خالويه عن الكسائيّ (ت189ه) أنّه قال: «أثبتوا الألف بعد واو ضربوا ونحوه، ويعدوا، وبعد واو يغزوا فرقًا بين الواو الساكنة، والواو المتحرّكة»(4)، ويُنسب إلى الفرّاء (ت207ه) أنّ مذهبه في ذلك فيما نُقِلَ عنه ما نصُّه: «فرّقوا بينها وبين الواو الأصليّة فكلّ واو كانت لجمع أو لمكنّى جعلوا معها ألفًا مثل: بنوا زيد وضاربوا زيد، ودعوا وقضوا؛ ليفرّقوا بينها وبين قولهم: أبو زيد وأخو زيد»(5)، ويرى الفرّاء أيضًا أنّهم «أثبتوها في يدعوا ويغزوا لما أشبهت واو الجمع»(6)، ويقرّر ابن درستويه (ت347ه) سبب زيادة الألف الفارقة في قوله: «ومن ذلك الألف التي تكتب بعد واو الجميع إذا لم تتّصل الكلمة بعلامة الضمير أو لم يكن بعد الواو نون الجميع مثل: فعلوا ولم يفعلوا وبنوا زيد وذووا مال، فإن وقعت بعد هذه الواو علامة الضمير أو جاءت النون لم تكتب الألف مثل: فعلوه ولا يفعلون وهم بنوك وبنون فصارت هذه الألف في الخطّ فرقًا بين واو الجميع وبين غيرها، وعوضًا من النون في الموضع الذي يُسقط فيه معاقبة لها»(7)، ونقل ابن خالويه (ت370ه) عن الأخفش (ت215ه) قوله: إنّهم «أثبتوا الألف لئلّا تشتبه هذه الواو والنسق نحو قولهم: كفروا زيدًا، ردّوا بشرًا ألا ترى أنّه لولا ألف الفصل لالتبس بقولك: ورد وبشر، وكفر وزيد»(8)، قاابن خالويه: قال آخرون: «تثبت الألف بعد الواو في ضربوا، ووردوا ونحوهما فرقًا بين الأسماء والأفعال، فالأسماء نحو: بنو تميم، وذو مال، وفو زيد، والفعل نحو قولك: يدعوا ويغزوا»(9)، وقال ابن خالويه: «سمعت أبا عبد الله بن عرفة يقول عن ثعلب (ت291ه): إنّ الألف تثبت بعد ألف يدعوا ويغزوا وضربوا فرقًا بين ما يليها اسم ظاهر وبين ما يليها اسم مكنّى، والظاهر نحو قولك: ضربوا زيدًا، وزيد يدعوا زيدًا، والمكنّى ضربوه، ويدعوه»(10)، وقال ابن خالويه: «إنّ أبا العبّاس كان يثبت الألف بعد واو ضربوا وكفروا، ولا يثبتها بعد يعدو ويرجو وعليه حذّاق الكتّاب؛ وذلك أنّ الواو في ضربوا وقبله واو جمع لا يجوز إسقاطها، ولا تتحلحل عن موضعها إلّا في ضرورة شعريّة»(11).
ومن علماء العربيّة من لا يرى فائدة من زيادة الألف الفارقة، ومنهم الكسائيّ الذي يقول: هذه الألف لا أصل لها(12)، وابن بابشاذ (ت469ه): الذي يقول: «والمحقّقون من أصحابنا لا يثبتون ألفًا في جميع ذلك؛ لأنّه ليس في اللفظ ما يقتضي ثبات الألف، ولا يكاد مثل هذا يلتبس في إخبار ولا صفة ولا صلة ونحوه؛ لأنّ المخبر عنه والموصوف والموصول يدلّ توحيده وجمعه على المقصود به، فلا التباس فيه»(13)، ويصف الكرمانيّ الألف الفارقة بقوله: «ألف يزاد في الخطّ نحو: {ءامنوا وعملوا} لا لمعنى محتاج إليه، ولا اللفظ يأتي عليه»(14)، ويميل الرُّقَيشيّ (ت1387ه) إلى ترك زيادة الألف الفارقة بقوله: «اعلم أنّهم أثبتوا ألفًا بعد واو الجمع فرقًا بينها وبين واو الفعل كـ(يدعو)، قال صاحب الأصل والمحقّقون من أصحابنا: لا يثبتون ألفًا في جميع ذلك»(15)، وقد نظمها الرُّقيشيُّ في بيتين هما:
وواو جمع إذا لم تتّصل بضميرٍ مضمرٍ ألفًا زدْها لفرقهم.
لواو فعلٍ كـ(يدعو) والخلاف أتى... لكنّما الحذف منسوبٌ لجلّهم (16).
ويُفهم من النقولات السابقة ما يأتي:
هناك اتّجاهان علميّان في مناقشة علماء العربيّة لزيادة الألف الفارقة، الاتّجاه الأولى يرى زيادة الألف الفارقة، ويفسّر سبب زيادتها، ومن أهمّ من سوّغ كتابة الألف الفارقة: الخليل الذي فسّر زيادة الألف الفارقة فيما ختم بواو الجماعة تفسيرًا صوتيًّا يفرّق به بين واو الجماعة، ولام الفعل المضارع الواويّ. والكسائيّ الذي نحا إلى التفسير الصوتيّ إذ يفرّق بين الواو الساكنة والواو المتحرّكة في الزيادة وعدمها. والفرّاء الذي رأى أنّ زيادة الألف الفارقة لُجِئ إليها للتفرقة بين لام الفعل المضارع الواويّ، وبين واو الجماعة وواو جمع المذكّر السالم وما ألحق به، وأنّ الكتّاب قد زادوا الألف في المضارع الواويّ لشبهها بواو الجمع.
وفسّر ابن درستويه زيادة الواو الفارقة تفسيرًا جديدًا إذ يرى أنّها تؤدّي وظيفتين هما: الأولى: التفرقة بين واو الجماعة والواو الدالّة على الجمع في الأسماء، وبين لام الفعل المضارع الواويّ، والثانية: أنّها عوض عن نون جمع المذكّر السالم وما ألحق به في حال الإضافة، وعوض عن نون الرفع في الأمثلة الخمسة في حالي النصب والجزم. وفسّر الأخفش سبب مجيء الواو الفارقة لدفع اللبس بينها وبين واو عطف النسق. ونُقِلَ رأي منسوب إلى مجموعة من اللغويّين أنّ الواو الفارقة جيء بها للفرق بين الأفعال المضارعة الواويّة والأسماء المختومة بواو سواءٌ أدلّت على الجمع أم لا. وينسب إلى ثعلب أن وظيفة الألف الفارقة التفريق بين ما يليه الاسم الظاهر وبين ما يليه الضمير المتّصل. وفي كتابة أبي العبّاس إثبات للألف الفارقة مع واو الجماعة، وحذفها مع الفعل المضارع الذي لامه واو، وهذا الفرق خاصّ بالأفعال، ولا يتناول الواوات في الأسماء سواءٌ أدلّت على جمعٍ أم غيره.
أمّا الاتّجاه الثاني: فهو لا يرى فائدة لزيادة الألف الفارقة، وهذا يفهم من قول الكسائيّ أنّ زيادة الألف الفارقة ليس لها دلالة، وهذا رأي آخر للكسائيّ مقابل لرأيه الأوّل في هذه المسألة. ويصرّح ابن بابشاذ بأنّه ليس هناك ما يقتضي زيادة الألف الفارقة؛ لأنّ اللبس غير متحقّق. ويقرّر الكرمانيّ أنّه لا حاجة إلى زيادة الألف الفارقة؛ لأنها ليس لها معنى، وليس لها نطق يقتضي كتابتها.
وفي الختام نخرج ببعض النتائج التي من أهمّها:
الأولى: لا يُخطَّأ ناسخو المخطوطات القدماء بكتابة الألف الفارقة في الفعل المضارع الذي لامُه واوٌ؛ لأنّ ذلك قد يكون شائعًا في تلك الأعصر، ولأنّ كثيرًا من العلماء جوّز زيادة الألف الفارقة في الفعل المضارع الذي لامه واو، وفي ذلك يقول النوويّ: «هذه الواو يُكتَب بعدها ألف على طريقة المتقدّمين من الكتّاب، والمختار عند المتأخّرين عدم كتابتها»(17)
الثانية: وصف ابن خالويه أنّ كتابة الألف الفارقة مع واو الجماعة وحذفها مع الفعل المضارع المختوم بواو هو مذهب حُذّاق الكُتّاب، وفي المقابل يصف ابن بابشاذ الرأي الذي لا يكتب الألف الفارقة مطلقًا بأنّه رأي المحقّقين من أصحابه.
الثالثة: تركت قواعد الكتابة الحديثة كلّ الآراء التي أوردناها في كتابة الألف الفارقة في الفعل المضارع المختوم بواو، وفيما ختم بواو من الأسماء سواءٌ أكانت دالّة على الجمع أم لا، واقتصرت على رأي الخليل وابن خالويه الذي وصفه بمذهب حُذّاق الكتّاب.
الرابعة: انفرد الأخفش وابن درستويه بذكر مسوّغ لكتابة الألف الفارقة لم يرد عن غيرهما، فالأخفش يرى زيادة الألف؛ لكيلا تلتبس بواو عطف النسق، وابن درستويه يرى أنّ الألف عوض عن نون جمع المذكّر السالم، ونون الرفع في الأمثلة الخمسة عند حذفهما.
الحواشي:
(1) القرشيّ، محمّد بن أبي الخطّاب: جمهرة أشعار العرب في الجاهليّة والإسلام، تحقيق: محمّد عليّ الهاشميّ، دار السلام، الطبعة الأولى، 1435ه/ 2014م، جـ1، ص68.
(2) انظر: القرشيّ، محمّد بن أبي الخطّاب: جمهرة أشعار العرب في الجاهليّة والإسلام، جـ1، ص67.
(3) ابن السرّاج، أبو بكر: كتاب الخطّ، تحقيق: عبد الحسين محمّد، مجلّة المورد، المجلّد الخامس، العدد الثالث، بغداد، العراق، 1396ه/ 1976م، ص125.
(4) ابن خالويه: كتاب الألفات، ص135.
(5) ابن السرّاج، أبو بكر: كتاب الخطّ، ص125.
(6) ابن السرّاج، أبو بكر: كتاب الخطّ، ص125.
(7) ابن درستويه: كتاب الكتاب، تحقيق: إبراهيم السامرّائيّ وعبد الحسين الفتلي، مؤسّسة دار الكتب الثقافيّة، حولّي، الكويت، الطبعة الأولى، 1397ه/ 1977م، ص83.
(8) ابن خالويه: كتاب الألفات، تحقيق: علي حسين البوّاب، مجلة المورد، المجلّد الحادي عشر، العدد الثاني، بغداد، العراق، ص135.
(9) ابن خالويه: كتاب الألفات، ص136.
(10) ابن خالويه: كتاب الألفات، ص136.
(11) ابن خالويه: كتاب الألفات، العدد الثالث، ص136.
(12) ابن السرّاج، أبو بكر: كتاب الخطّ، ص125.
(13) ابن بابشاذ، طاهر بن أحمد: شرح المقدّمة المحسبة، تحقيق: خالد عبد الكريم، الطبعة ا لأولى، 1977م، جـ2، ص464.
(14) الكرمانيّ، محمود بن حمزة: كتاب أسرار الحروف، تحقيق: غانم قدوري الحمد، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1443ه/ 2022م، ص96.
(15) الرقيشيّ، محمّد بن سالم: رسالة في علم الرسم، تحقيق: حارث بن جمعة الحارثيّ، ذاكرة عُمَان، مسقط، سلطنة عمان، الطبعة الأولى، 1443ه/ 2022م، ص59.
(16) الرقيشيّ، محمّد بن سالم: رسالة في علم الرسم، ص59.
(17) الهورينيّ، نصر: المطالع النصريّة للمطابع المصريّة في الأصول الخطيّة أصول الكتابة والإملاء، تحقيق وتعليق: طه عبد المقصود، مكتبة السنّة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1426ه/ 2005م، ص304، ص305.