خالد بن حمد المالك
كتبت عدة مقالات عن الوضع في العراق، لأن ما يمر به من محن وصراعات وتبعية بعض أحزابه إلى إيران شيء يدمي القلب، وكتبت عنه كثيراً لأن المعلومات المتداولة منذ سقوط نظام صدام حسين تتحدث عن سرقات من المال العام بأرقام فلكية أقدم عليها بعض من يدّعون بأنهم جاءوا لإنقاذ العراق من ويلات الحكم السابق.
اليوم تقترب البلاد من مرور عام كامل على الانتخابات البرلمانية، ومع ذلك فقد عصفت الخلافات بأي فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف من يرأس مجلس الوزراء، واختيار من يتولون الحقائب الوزارية، بينما يشكو المواطنون من البطالة والفقر وتردي الخدمات، وغموض مستقبل البلد وإلى أين هو ذاهب في ظل الفساد المتنامي، والتبعية للخارج.
المؤكد أن العراق سيكون في وضع أفضل لو تم تجميع السلاح المنفلت من المليشيات، وحصره في القوات الحكومية، وسوف يعود إليه استقراره لو أعيد النظر في حالة الأحزاب وبالتالي العودة إلى الشعب ليكون صاحب الصوت في الانتخابات البرلمانية، وقد يقتضي الأمر حل الفصائل التي أضعفت سلطة الدولة، وجعلت العراق لا يخرج عن شور ومشورة وتبعية إيران بفعل بعض هذه الفصائل.
نعم العراق يحتاج إلى قانون انتخابي جديد يخلّصه من هذا الاحتقان الشديد، ومن التوتر، ومن الاشتباكات، والتناحر، لأسباب انتخابية بين الفصائل التي تحاول كل منها أن تكون لها اليد العليا على السلطة في البلاد، بينما يجب أن يكون العراق أكبر من كل هذه الأحزاب، وهو ما لا نجده الآن، بدليل فشل انتخاب رئيس الجمهورية واختيار رئيس الوزراء وعدم عقد جلسات البرلمان.
صحيح أن العراق لملم جراحه، أو على الأصح أوقف المزيد من القتلى والجرحى بانسحاب أنصار الفصائل من الاعتصام في الشوارع، ومن محيط المنطقة الخضراء والبوابات، ورفع خيام الاعتصام، ومن ثم وقف العنف، وحفظ الدماء البريئة، تفادياً لما هو أخطر مما حدث، ولكن كل هذا غير كافٍ إذا أراد العراقيون عدم تكرار ما حدث، والتوجه لإصلاح الوضع في البلاد على نحو يفضي إلى معالجة الحقوق المنقوصة لبعض الفئات العراقية، ويحفظ للدولة هيبتها، بمؤسسات قوية وقادرة على الحكم بالعدل والمساواة وتجنيبها هذه التراكمات من الصراعات.
فالعراق يحتاج إلى خارطة طريق تسمح بانتخاب رئيس حكومة يحظى بالإجماع، وإلى انتخابات مبكرة للبرلمان كما يطالب بذلك بعض الفصائل، وتحديداً المنتمون للتيار الصدري، وإلى اتفاق الأكراد على من سيكون رئيساً للدولة، وإلى عودة مقتضى الصدر إلى الإجماع العراقي في ظل دستور جديد أو معدَّل يلبي رغبة الجميع، ويحقق مصلحة العراق والعراقيين، فتداعيات الأزمات المتلاحقة قد تجعل من العراق دولة فاشلة، رغم ما تتمتع به من إمكانات وخيرات وقد ينتهي به مطاف هذه الأزمات إلى فوضى أمنية يصعب السيطرة عليها.
إن تعطيل مؤسسات الدولة مهما كانت الأسباب، واللجوء إلى العنف لمعالجة الأوضاع المتردية، لا يحل مشاكل الدولة، ولا يعالج أسبابها، وأن الخيار الأفضل هو باللجوء إلى الحوار، والتفاهم بعيدًا عن المصالح الشخصية والحزبية، فهذا هو الأسلوب الأفضل للتخلّص من مكامن الخلل، حتى لا يذهب بالأحزاب إلى أن تتقاتل مع بعضها، فالإطار التنسيقي وإن قام على عدد من الأحزاب، فهو توافق هش، لا يمكن له أن يصمد أمام المتغيِّرات المستجدة حالياً وفي المستقبل، وقد ينتهي به الأمر إلى الصراع داخل الحزب الواحد، فضلاً عن أن يكون بين عدد من الأحزاب المنتمين للإطار.
وضبط النفس في حالة العراق مهم جداً بين جميع الكتل العراقية، بل وبين أفراد الكتلة الواحدة، فالمشهد الحالي يحتاج إلى الحكمة في مواجهة الأخطار المحدقة، والتصدي للتحديات القادمة، فالسنوات التي مضت منذ سقوط النظام السابق فيها من الدروس والعبر والتجارب ما لا يجب أن تغيب عن أذهان العراقيين المخلصين لبلادهم، وأشدد على كلمة المخلصين، فالعراق هو الآن أمانة في أيدي هؤلاء.