حمّاد بن حامد السالمي
* نعيش في أيامنا هذه؛ فرحة كبرى متجددة، بحجم ترابنا الوطني الكبير الممتد من الماء إلى الماء، ومن أطراف الربع الحالي- لا الخالي- الجنوبية؛ إلى أطراف النفود الشمالية. عز وفخر وأمن وسلام يعم هذه الأرجاء المترامية الأطراف، التي تردد كل ذرة من ترابها الطاهر؛ اسم موحدها العظيم، وباني مجدها الكبير المغفور له (الملك عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه. الذي أراد أن يعرف شباب بلاده كيف تكوّن هذا المنجز الوحدوي الكبير فقال: (يجب على شبابنا؛ أن يعرفوا كيف تكونت هذه الوحدة، المبنية على العقيدة الإسلامية. وحدة عربية إسلامية). وهذه من أهم رسائل الاحتفال باليوم الوطني كل عام.
* نعيش الفرحة الثانية والتسعين من عمر كيان كبير هو: (المملكة العربية السعودية). كيان أصبح محط أنظار العالم كله، ليس فقط لأنه بلد منتج للطاقة؛ وليس فقط لأنه قبلة المسلمين كافة وحامي حمى مقدساتهم؛ لكن لأنه قدم ويقدم منذ أكثر من تسعين عامًا؛ تجربة حاكمية فريدة في التاريخ، فلأول مرة بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وعهد الصحابة والدولة الأموية المجيدة؛ تتوحد الكيانات الصغيرة المتناثرة، التي ظلت في خراب واحتراب طيلة اثني عشر قرنًا، في دولة واحدة مكينة ومتينة اسمها: (المملكة العربية السعودية). هذه التجربة منذ بدايتها؛ لامست حاجة الناس الماسة للأمن والاستقرار قبل كل شيء، وهذا ما تحقق وبُني عليه ما تلاه من إنجازات اقتصادية ومعرفية وسياسية فاقت كل التصورات.
* من أراد أن يقف على حجم هذا المعجز الكبير الذي تحقق على يدي الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه؛ عليه أن ينظر إلى ما قاله عنه ساسة العالم وقادته ومفكروه وأدباؤه وشعراؤه، سواء في حياة الملك عبد العزيز أو بعد مماته في عهد أبنائه الملوك من بعده، الذين حفظوا العهد، وساروا على النهج القويم الذي رسمه المؤسس والموحد.
* توقفت برهة عند قول لصاحب كتاب: (معجزة فوق الرمال)، الأستاذ: (أحمد عسّه)، وهو كتاب ضخم في أكثر من ثماني مئة صفحة، نشر عام 1965م، ويعد من أوائل الكتب التي أرخت للمملكة ومؤسسها. قال: (لو سئلت عن أعظم شخصية سياسية مرت على الجزيرة العربية خلال ألف سنة؛ لأجبت على الفور؛ بأنه الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، لسببين أولهما: أنه حقق معجزة سياسية بتوحيد أرجاء الجزيرة العربية في كيان سياسي واحد، تنصهر فيه كل قبائله وأقاليمه، وثانيهما؛ أنه بتوليه مسؤولية الحرمين الشريفين؛ طهرهما من الكثير من أشكال وممارسات البدع والخرافات التي تجذرت إبان فترة الحكم العثماني؛ وانتشلهما من حالة الفوضى التي كانت تحاصرهما، وتهدد أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين. فالملك عبدالعزيز رحمه الله؛ نجح في تحقيق وحدة جغرافية وسياسية كانت تعتبر في ذلك الوقت مستحيلة، وتمكن من بسط السلام والأمان في أرض لطالما كانت عصية على الانضباط، ومسرحًا للسلب والفوضى والتناحر).
* كان التوفيق حليف الأستاذ أحمد عسّه في وصف تجربة الملك عبد العزيز بـ(معجزة فوق الرمال)، لقد كانت تجربة فريدة وحّدت الإنسان والمكان، ووفرت الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، فسرعان ما تدفق النفط من بين رمال الربع الخالي، وأصبح هذا المنتج الاقتصادي معجزًا آخر في منظومة من معجزات يدعم بعضها بعضًا، وليس النفط وحده. الأمن معجزة. الصحة معجزة. النجاح السياسي معجزة. التعليم معجزة. كل ذلك وأكثر؛ شكلت المعجزة الكبرى: (تجربة المملكة العربية السعودية) الناجحة عبر أكثر من تسعة عقود. حتى أني أطلق عليها: (معجزة فوق الخيال)، وليس فوق الرمال فقط كما أسماها أحمد عسّه. ما أعظم عزم وعزيمة المؤسس الملك عبد العزيز.. لقد صدق أبو الطيب المتنبي يوم قال:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
* لقد احتفى الشعر العربي بهذه المعجزة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز، وظل عمالقة الشعر العربي في مواكبة مع المنجزات الحضارية التي أرساها مؤسس هذا الكيان العظيم وموحد أجزائه. فهذا الكبير في أدبه وفكره وشعره: (عباس محمود العقاد ت 1964م)؛ يلقي قصيدة بين يدي جلالة الملك عبدالعزيز أثناء زيارته لمصر بعنوان: (أسد العرين) فيقول:
أسد العرين يخوض غيل الماء
يا بحر راضك قاهر الصحراء
حياة باديها وحاضرها معًا
فاغنم تحية يومه الوضاء
يوم من البشرى يردد ذكره
ركب السفين وجيرة البيداء
إلى أن يقول:
وإذا به عبدالعزيز بطلعة
كالبدر بين كواكب الأمراء
وأرى السماء تأملت مرآتها
في الماء فانطبعت على الخضراء
أرض النبوة حين تم فخارها
خلعت عوارفها على الدأماء
ملك أناف على العقول بعزمه
وأتم ذاك بما يراه الرائي
جمع المهابة في العيون وفي النهى
وسما بمجد أبوة وإباء
يرعاه بارئه ويحرس ركبه
في كل أرض تحت كل سماء
* وهذا شاعر عملاق آخر هو: (فؤاد الخطيب) يقول:
بوأت نفسك عرشًا لم تشده يد
سوى يديك، وهذا العزم مشدود
ونلت بالسيف ملكًا أنت سيده
ولم يولك مرسوم وتقليد
لله أنت ومن (جبرين) قد وثبت
إلى (الرياض) بك المهرية القود
لم تسفر الشمس حتى عجلت فطوت
(عجلان) فهو صريع منك ملحود
واسترسلت بعدها الأمصار طيعة
كأنها للغد المأمول تمهيد
* أما الشاعر الكبير فؤاد شاكر؛ فهو يشير إلى ثلاثة منجزات أساسية أرساها الملك عبد العزيز بعزمه وعزيمته: (أمن.. عدل.. توحيد). يقول:
بسطت لواء الأمن كالظل وارفًا
فأصبح ممدود الرواقين يطبق
وشيدت للعدل الصروح مشيدة
تناطح أعنان السماء وتسمق
ووطدت للتوحيد صرحًا ممردًا
بإعلاء دين الله يزهي ويورق
فكم مسلم أدى الفريضة آمنًا
وقد كان منها قبل عهدك يشفق