د.شريف بن محمد الأتربي
تخضع آليات التغيير إلى العديد من المراحل، وتحتاج إلى الكثير من الخطط، كما تواجه كماً هائلاً من العقبات والمعيقات سواءً من داخل المنظومة أو من خارجها، إما رفضاً للتغيير أو خوفاً منه، وكثيراً ما يكون السبب راجعاً إلى عدم قدرة الموظف نفسه على التأقلم مع التغيير الذي سيغير من روتين عمله الذي درج عليه لفترات زمنية طويلة. في المملكة العربية السعودية سطرت العديد من المؤسسات والهيئات نجاحاتها في إدارة التغيير وأعلنتها على الملأ لتنقل تجربتها من الداخل إلى الخارج وتكون نبراساً ونموذجاً يحتذى به سواءً في إدارة التغيير أو التدريب على التغيير وأخيراً سرعة التغيير بما لا يخل بسير العملية الإدارية في المؤسسة نفسها، ومن أهم هذه المؤسسات: وزارة الدفاع.
بدأت مرحلة التغيير في وزارة الدفاع في 13 يوليو 2013م، مع تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مشرفاً عاماً على مكتب وزير الدفاع وتكليفه بإصلاح وزارة الدفاع في مرحلة كانت الوزارة تعاني فيها من مشاكل كبيرة وكثيرة قديمة وحديثة. وفي 23 يناير 2015، كُلف سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بقيادة وزارة الدفاع -الوزير السابع في تاريخ السعودية- ورئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية.
وحتى يكون التغيير مفيداً لابد أن يكون مبنياً على رؤية محددة وأهداف واضحة، وعليه فقد حدّد سمو وزير الدفاع في 25 إبريل 2016م، خمسة أهداف إستراتيجية لوزارة الدفاع انبثقت من رؤية المملكة 2030، وهي: تحقيق التفوق والتميز العملياتي المشترك، تطوير الأداء التنظيمي، تطوير الأداء الفردي ورفع المعنويات، تحسين كفاءة الإنفاق ودعم توطين التصنيع العسكري، وتحديث المعدات والأسلحة.
ومن أمثلة هذه المشاكل، والتي ورد ذكرها في حديث لسمو سيدي ولي العهد وزير الدفاع - حفظه الله- فقد أبدى اندهاشه من الإنفاق المبالغ فيه على تنفيذ القواعد العسكرية في المملكة العربية السعودية مقارنة بمثيلاتها في الدول الغربية وأمريكا، حيث أشار -حفظه الله- إلى أن ما يتم إنفاقه على ديكورات هذه القواعد مبالغ فيه جداً.
من الجدير بالذكر أن برنامج تطوير وزارة الدفاع شمل (308) مبادرات، تم تفصيل كل واحدة منها في وثيقة شاملة، تتضمن الكيان المسؤول عن تنفيذها، ووقت التنفيذ المطلوب، والإجراءات المطلوبة، بالإضافة إلى الميزانية، كما تم تحديد أولويات هذه المبادرات وتنظيمها في (3) مسارات على النحو التالي:
المسار الأول: بناء مركز الوزارة.
المسار الثاني: إعادة تنظيم القوات لرفع كفاءة الأداء وتمكين العمل المشترك.
المسار الثالث: إعادة تسليح القوات وبناء القدرات.
وبناءً عليه تم إعادة هيكلة الوزارة ووضع نموذج تشغيلي جديد لها بحيث يشكّل الهيكل التنظيمي المقترح لوزارة الدفاع القاعدة الأساسية لنموذج التشغيل المستهدف، وتم تدعيمه بثلاث وكالات متخصصة (وكالة الشؤون الإستراتيجية، وكالة خدمات التميز، وكالة المشتريات والتسليح) وقيادة القوات المشتركة.
ويعتمد النموذج التشغيلي للوزارة على ثلاثة مبادئ أساسية:
أولاً: المسؤولية، حيث تم فصل مسؤولية إعداد وتدريب وتجهيز القوات عن مسؤولية قيادة العمليات، من خلال تنفيذ عدة مبادرات ستدعم وتساند جهود وزارة الدفاع في تحسين جاهزية القدرات المشتركة وتطويرها.
ثانياً: الوظائف، حيث تم الفصل بين وظائف وضع السياسات والإستراتيجيات والخطط من جهة، وتنفيذها من جهة أخرى وذلك من خلال تنفيذ عدة مبادرات مما سيمكن وزارة الدفاع من التركيز على إعداد السياسات والخطط ومراقبة العمليات لضمان تحقيق الأهداف ومتابعة فرص التحسين.
ثالثاً: الخبرات، حيث تم جمع الخبرات الوظيفية بتطبيق أنظمة آلية جديدة (مثل: الاستخبارات، والقيادة والتحكم، والاتصالات، والحوسبة، وتقنية المعلومات، والموارد البشرية، والشؤون القانونية، وعمليات الشراء)، مما يعزز الشفافية ويدعم فصل السُلطات والضبط والموازنة.
وقد أطّر هذا النموذج لخمس وظائف رئيسية للوزارة هي:
الوظيفة الأولى: التوجيه، من خلال إعداد وإدارة السياسات والإستراتيجيات التي توضح وتحدد دور الوزارة في تحقيق مصالح وأهداف الأمن الوطني وتحديد الأدوار والمعايير المتبعة في الوزارة بما يتفق مع التوجيهات الإستراتيجية لسمو الوزير وقرارات مجلس الدفاع.
الوظيفة الثانية: التمكين، من خلال إدارة المهام والأعمال التي تمكن الوزارة ومنسوبيها من إنجاز المسؤوليات المناطة بها بالجودة والسرعة والتميز اللازم وإدارة الأنظمة والمراكز المساندة لذلك.
الوظيفة الثالثة: الاستحواذ، من خلال إدارة الحصول على المعدات والأسلحة والأنظمة المساندة لها بما يضمن الاستدامة ومنع الإزدواجية وتحقيق رفع كفاءة الإنفاق بشكل فاعل.
الوظيفة الرابعة: التجهيز، من خلال إدارة مهام بناء التنظيمات القتالية وتجهيزها بالمعدات والطاقة البشرية والتدريب مما يجعلها في درجة جاهزية دائمة للاستجابة لمتطلبات الأمن الوطني.
الوظيفة الخامسة: التشغيل، من خلال قيادة العمليات المشتركة للقوات المسلحة للدفاع عن أمن ومصالح المملكة بطريقة احترافية.
ومن أهم الأعمال التي تميزت بها الوزارة في مجال توطين الإنتاج العسكري، تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية SAMI، وذلك في عام 2017، وهي كيانٌ وطنيٌ مملوك بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة. وتُعنى الشركة بتطوير ودعم الصناعات الدفاعية في المملكة العربية السعودية وتعزيز اكتفائها الذاتي، وتلعب دوراً رئيسياً في توطين 50 % من إنفاقها الدفاعي ضمن أبرز مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتطمح الشركة أن تكون من ضمن أفضل 25 شركة متخصصة في هذا القطاع على مستوى العالم. وعليه فقد تم إنجاز ما يلي:
- افتتاح مصنع للقذائف العسكرية بالخرج بقيمة 240 مليون دولار، وذلك بهدف إنتاج 300 مقذوف مدفعي أو 600 مقذوف هاون يومياً، هذا بالإضافة إلى إنتاج القذائف الثقيلة مثل قنابل الطائرات، وذلك وفقاً لتقرير وكالة الأناضول التركية للأنباء.
- افتتاح مصنع لأنظمة الاتصالات العسكرية في المؤسسة العامة للصناعات العسكرية بالرياض، حيث يقوم هذا المصنع بإنتاج خمسة أنواع من أجهزة الاتصالات المختلفة الاستخدام، والذي تبلغ طاقته الاستيعابية حوالي 2000 جهاز سنوياً، ومن أهم مميزات هذه الأجهزة القدرة على مقاومة تهديدات الحرب الإلكترونية التي تهدد المملكة، وبنيتها الهندسية القابلة للتعديل.
- تطوير برنامج تطوير ورفع كفاءة مقاتلات (التورنيدو) بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران؛ بغرض المحافظة على القدرات القتالية لتلك الطائرة، ومن خلال تطوير أنظمة التسليح بها، وتقوم بترقية أنظمة الاتصالات والمراقبة، وتدريب الأطقم الفنية والجوية على استخدام مثل هذه الأنظمة الحديثة.
- تصنيع هياكل الطائرات العسكرية، حيث تعمل وزارة الدفاع وبالتعاون مع شركة السلام لصناعة الطيران التابعة لبرنامج التوازن الاقتصادي التابع لوزارة الدفاع على خطة تصنيع هياكل الطائرات العسكرية بشكل كامل داخل المملكة وحتى تصنيع قطع غيارها خلال الأعوام العشرة القادمة، ومن أهم إنجازات هذا العمل تصنيع أول منتج لمقدمة طائرات القوات الجوية السعودية (F15SA) قبل فترة وجيزة.
- تأسيس شركة لتصنيع الرادارات ومعدات الحرب الإلكترونية بالتعاون العسكري مع تركيا لتأسيس شركة الصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة بالتعاون من خلال شركة « أسيلسان» للصناعات العسكرية والإلكترونية، وبلغ رأس مال هذه الشركة 6 ملايين دولار، ويتم من خلالها تصميم الرادارات ومعدات الحرب الإلكترونية والرؤية البصرية.
ومن أبرز الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية، تدشين 12 خدمة رقمية وتقنية في إطار إستراتيجية الوزارة الهادفة إلى تطوير الخدمات الإلكترونية الذكية، والارتقاء بالمنظومة التقنية للإسهام في تيسير وسرعة إنجاز العمل. وقد تضمنت هذه الخدمات الرقمية والتقنية في مرحلتها الأولى: نظام كفاءة الإنفاق، ومنصة التظلمات، ومنصة الاستعداد الإمدادي، إضافة إلى منصة الموردين، ومنصة التواصل والاجتماعات الافتراضية، والبيانات التشغيلية الجديدة لمركز بيانات الإنترنت، إضافة إلى خدمات تقنية ورقمية أخرى.
وتعد هذه المبادرة واحدة ضمن عدد كبير من المبادرات التي تغطي جميع مجالات تقنية المعلومات المرتبطة باحتياجات قطاعات الوزارة والتي تشمل بناء بنية تحتيّة ذات اعتمادية عالية وأنظمة وتطبيقات مركزيّة تعتمد على ضوابط متقدمة للأمن السيبراني، كما سيتم إطلاق مبادرات المرحلة الثانية للاستفادة من أحدث التوجهات التقنية المتقدمة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. ويتوقع أن تسهم هذه الخدمات الرقمية والتقنية المطوّرة في وزارة الدفاع في زيادة الكفاءة الإنتاجية للخدمات الإلكترونية، وتوفير خيارات متعددة من التقارير اللازمة بشكل آني ومفصل، كما ستساعد المسؤولين ومتخذي القرار في الحصول على المعلومات التي ستساعد في اتخاذ القرارات في الوقت المناسب وبدقة أكبر، إلى جانب إتاحة لوحات معلومات تحليلية لتحديد الأولويّات ومجالات فرص كفاءة الإنفاق المخطط لها.
وعلى جانب آخر فقد شاركت الوزارة في معرض الدفاع العالمي 2022 كشريك رئيسي، والذي انطلقت فعالياته بالعاصمة الرياض، خلال الفترة من 6 - 9 مارس، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبحضور دولي واسع، يتضمن مشاركة العديد من الجهات مثل وزارة الإنتاج الحربي المصرية، والتي شاركت بالعديد من منتجاتها العسكرية المتطورة.
وقد استعرضت الوزارة في جناحها خلال فترة المعرض مشاركات أفرع القوات المسلحة السعودية في رحلة تطوير الوزارة، هذا من جانب، وعلى جانب آخر تم إبراز الدور القيادي للوزارة وما تحققه من إنجازات في حماية الوطن ومقدراته براً وبحراً وجواً، بالإضافة إلى الدور التنموي الذي تقوم به في مجال الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان. وتجهز الوزارة حالياً لمعرض الدفاع العالمي 2024، ويعدّ هذا المعرض والذي تنظمه الهيئة العامة للصناعات العسكرية في المملكة العربية السعودية معرضاً متكاملاً حيث يتمحور حول مستقبل صناعة الدفاع عبر استعراض أحدث التطورات التقنية التي توصل لها العالم لا سيما في مجال التوافق العملياتي عبر مختلف قطاعات الدفاع.
وللتعليم والتدريب أهمية كبرى في خطة تطوير الوزارة، حيث شملت خطط التدريب كافة القطاعات العسكرية والمدنية، وذلك من خلال تحويل كلية القيادة والأركان إلى جامعة، ووضع متطلبات تدريبية لجميع الوظائف والمناصب الإدارية والقيادية، إلى جانب رفع معدل الشهادات العليا بين منسوبي الوزارة فيما يخدم تخصصاتهم ويؤهلهم إلى القطاع الخاص بعد انتهاء فترة خدمتهم.
وعلى المستوى الإنساني والمسؤولية المجتمعية للوزارة نحو موظفيها فقد أطلقت الوزارة العديد من المبادرات، حيث تقوم الوزارة بدعم جميع منسوبي القوات وأسرهم من خلال السكن ومرافق الخدمات المعيشية وذلك عبر مشاريع إسكان تهدف إلى تحقيق تطلعات وطموحات منسوبيها وأسرهم. كما عملت على رفع مستوى الخدمات الصحية والطبية من خلال إعادة هيكلة الخدمات الطبية بما يدعم بشكل مباشر رفع مستوى هذه الخدمات لمنسوبي القوات المسلحة من زيادة عدد الأسَرة، وتقليص مدة المواعيد، وفترات الانتظار، ودعم المستشفيات بأعلى الكفاءات الطبيّة والفنية والإدارية، ورفع كفاءة وجاهزية المستشفيات الميدانية وتزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات لدعم العمليات العسكرية. أيضاً سعت الوزارة إلى تحسين الرفاه لمنسوبيها، حيث سعت إلى تقليل الأعباء المالية لهم من خلال توفير مجموعة من المزايا والخصومات والبرامج بالتعاون مع القطاع الخاص، ومن هذه البرامج: بطاقات الخصم في العديد من المرافق والمحلات التجارية والفنادق، وخدمات تأجير السيارات.
وأخيراً فإن ما تم ذكره هو غيض من فيض، فوزارة الدفاع منذ تولي خادم الحرمين سدة الحكم وبمعاونة سمو ولي العهد تشهد حراكاً على كافة الأصعدة، بل وأظنها من أسرع الوزارات التي ستحقق أهدافها ضمن رؤية المملكة 2030، وهي نموذج للتطوير الذي ينبغي أن يحتذى به من خلال نشر الدروس المستفادة في التغلب على كافة الصعوبات التي واجهتها أو المتوقع مواجهتها مستقبلاً وخطط التغلب عليها.