مع دخولنا عاماً دراسياً جديداً لا يخلو مجلس من الحديث عن التعليم وشؤونه أو الإشارة إليه, وتدور أغلب هذه المواضيع حول أربعة أركان رئيسة لا يمكن إلغاء أحدها أو فصلها عن بعض، وهي التي تمثِّل أركان العملية التعليمية:
المعلم، الطالب، المنهج، المبنى المدرسي.
بداية.. لا بد من معرفة أن التعليم النظامي بمفهومه العام «هو عملية مقننة يقدم فيها (المعلم) المعارف والخبرات والتجارب والمهارات داخل بيئة مناسبة (المدرسة) عبر محتوى علمي (المنهج) للعديد من المستفيدين (الطلاب)»..
من خلال هذا التعريف المختصر يظهر لنا ركن يلعب دوراً رئيساً في منظومة التعليم وهو (المعلم)..
فإذا سلّمنا القول بأن للتعليم مدخلات ومخرجات فإننا نجد أهم هذه المدخلات هو المعلم، لذا اتفقت النظريات والبحوث والدراسات المتخصصة بالتربية والتعليم على أن المعلم هو محور العملية التعليمية وركيزتها الأساسية, فهو قائدها وربانها في سبيل تحقيق أهدافها.
يكثر الحديث بداية كل عام دراسي جديد عن المعلمين الجدد المعينين قبل فترة قصيرة، وتتباين الآراء حولهم وحول إمكاناتهم وقدراتهم، وبالتالي ينبغي على من أراد العمل في سلك التعليم أن يملك العديد من المقومات التي تخوله للعمل الإيجابي, لذلك فالمطلوب من المعلم الجديد العديد من المعطيات الواجب امتلاكها في شخصيته، أول هذه المعطيات قناعته ورضاه بالعمل في مهنة التعليم خدمة لدينه ووطنه الذي يستحق منه البذل والعطاء، فهي رسالة عظيمة لا يستطيع حملها والقيام بها غير الأقوياء الأكفاء، الأمر الثاني فهو لا بد أن يكون على قدر كبير من فهم ذاته ومعرفة إمكاناته النفسية والجسدية والذهنية، فمهنة التدريس مهنة شاقة تتطلب التعامل مع أنماط بشرية مختلفة ومتنوعة وأيضاً متغيرة، لذا فلا بد للمعلم أن يكون مدركاً وواعياً ومرناً في التعامل مع هذا النسيج المتباين من الأنماط البشرية..
لكن هذه المهنة في نفس الوقت ممتعة لمن أتقن التعامل مع معطياتها وأستوعب ظروفها وامتلك أدوات النجاح فيها، فهي بالأخير مهنة «سهلة ممتنعة»..
وكل معلم تمكن من امتلاك هذه المعطيات، فإنه قد خطى خطوة كبرى نحو العمل الإيجابي والاستقرار المهني، ويكفي أن نجاحه فيها يعني إخراج جيل متعلم معتز بدينه مؤهل وقادر على بناء وطنه بسواعده.
عودة إلى المعلم الجديد..
فهو عادة ما ينتابه شعور بالحيرة والغربة المكانية مع دخوله المدرسة لأول مرة معلماً، وذلك لا شك شعور طبيعي فهو في مكان لم يعتد عليه إلا عندما كان طالباً في الفصل يتلقى العلم، لكنه أصبح الآن داخلاً بشخصية أخرى وعقلية مختلفة، وحيرته نتيجة جهله بالمهام الأساسية والرسمية التي لا بد له من الاطلاع عليها في الأدلة واللوائح المنظمة للعملية التعليمية.
إضافة إلى ذلك فالمكان الجديد يحتوي على مزيج من الأشخاص ذوي المهام المختلفة، مما يجعله متردداً مشتت الذهن، وهذا التردد والخوف والقلق سيزول إذا أدرك المعلم الجديد سريعاً العلاقات بين أطراف العملية التعليمية، وعلى هذا ينبغي عليه قبل الدخول إلى المدرسة الاطلاع على الأدلة واللوائح التنظيمية للمدارس كي يعرف طبيعة المهام الرسمية لأفراد هذه المجموعة.
وبعد الإلمام باللوائح والأنظمة وطبيعة علاقات العملية التعليمية عليه الأخذ بعين الاعتبار العديد من النقاط المهمة والتي تسهل عليه الوصول إلى مستوى النجاح والأداء المتقن..
وهنا سأوجه الخطاب مباشرة للمعلمين الجدد بذكر أبرز النقاط الواجب أخذها بعين الاعتبار :
- اجعل مقصدك ونيتك في مهنتك نابعة من وازع ديني وحس وطني، فإنها تساعدك على مواصلة العطاء والإخلاص في أداء مهمتك.
- كن قدوة لطلابك حريصاً على مصلحتهم كي يكونوا سواعد تبني الوطن في المستقبل.
- احرص على الظهور الشخصي بمظهر حسن بهندامك وهيئتك الشخصية فطلاب اليوم شديدو الملاحظة والذكاء.
- ثق بنفسك وبقدراتك وكن كما أنت، لا تتقمّص شخصية أحد، فما دمت مؤهلاً علمياً وتربوياً لأداء المهمة فأنت قادر على التميز.
- انضباطك بالدوام من خلال حضورك للمدرسة باكراً ودخولك الصف بدون تأخير وخروجك منه بالوقت المحدد جزء من شخصيتك.
- لا تعتقد أن تصرفات الطلاب المزعجة موجهة لشخصك كي تضيع هيبتك، بل هي جزء من سلوك الطلاب في مرحلة سنية معينة، لذلك درِّب نفسك على التعايش معها وحلًها بأسلوب تربوي بنًاء.
- ادرس أنماط سلوك الطلاب وكيفية التعامل مع كل نمط، كن هادئاً في التعامل معهم مستمعاً جيداً لهم، ولا تنس أن تكون مرناً معهم من غير ضعف.
- حل مشاكلك بنفسك ولا تعتمد في كل شيء على وكيل أو مشرف أو مدير واجعلهم آخر الحلول.
- كن مستمعاً ومنصتاً جيداً لأولياء الأمور، قدِّر مجيئهم واحترم كبيرهم وساعدهم بالقدر المستطاع لتحقيق هدف زيارتهم.
- لا تناقش أو تجادل زملاءك في وجود الطلاب مما يفقدك ويفقدهم بعضاً من الهيبة والتقدير.
- حفّز طلابك المتميزين ولا تبخل بمساعدة الطلاب الضعفاء، واهتم كثيراً بالتغذية الراجعة لهم.
- حاول كثيراً أن تستفيد من ذوي الخبرة من رجال التعليم بشكل مباشر أو من خلال الملاحظة والمتابعة فهم يختصرون عليك التجربة.
- كما تعطي الطلاب واجبات منهجية فعليك أيضاً واجبات يومية من تخطيط ووضع أسئلة ورصد درجات وإشراف ومناوبة.
- اجعل هدفك من الأسئلة والاختبارات هو قياس مستوى تحصيل الطلاب لا إظهار التحدي والتعجيز لتمييز الأفضل.
- لا تبالغ في التودد للطلاب عن طريق الضحك والممازحة فتضيع هيبتك ويقل احترامك، كن حازماً جاداً وليناً بنفس الوقت في التعامل معهم، فالطلاب يحترمون المعلم الجاد المخلص لا الفكاهي المزوح.
- استفد من التقنية في مجال تخصصك، حاول تنويع مصادر المعرفة المنهجية لديك.
- تقبل التوجيهات الإدارية بصدر رحب، لا يكن التضجر والملل والاعتراض على كل شيء منهجاً وطبعاً لك.
** **
تويتر @abu_-naaser