علي الخزيم
لم يكن المُعتمر المنافق (المستهزئ بالشرع والمقدسات) الذي زعم أنه يَهب أجر عُمرته لإحدى الشخصيات الأوروبية المتوفاة حديثاً؛ الأول والبادئ بمثل ذاك الأمر؛ بل قد سبقته امرأة زعمت عبر تغريدات (تويترية) أنها وهَبَت أجر عمرتها لرئيس دولة مُمعِنة بالعداء تاريخياً للعرب والمسلمين، غير ان هذا المنافق الأفَّاق قد جاهر بها بإعلان محمول بأكثر من لغة ليشهد العالم على سفهه وخنوعه لمن استأجره ليجعل منه فأر تجارب لتنفيذ خطط لاحقة من الإفساد ببيت الله الحرام، مما يشير إلى أنه وأمثاله من الأغبياء مدفوعون من أنظمة ومنظمات كالنظام الإيراني وعصاباته وذيوله بالدول العربية وغيرها، فهم لا ولاء لهم ولا ذمَّة ولا يرعون صداقة أو جيرة، ولا يُثمنون معروفاً أو علاقات حسنة، ويلاحظ أن من يُسلِّمون عقولهم ورقابهم للمجوس وأعداء العرب والمسلمين لا يَمتُّون للأصول العربية العريقة بصلة مهما زعموا وكرروا الادعاء بعمق جذورهم العربية، بل زعموا أكثر من ذلكم فقد الصقوا نسبهم ببيت رسول الله زوراً وبهتاناً! فمتى كان آل البيت يشتمون محمداً وزوجاته وأصحابه وخلفاءه، وكيف يأتي أهل بيته من أراذل مِلل ونِحل وقوميَّات لا يَعرِف لها العرب أصلاً ولا جذوراً.
عرب الجزيرة الأقحاح شهد لهم تاريخهم وسجلّهم الناصع ومواقفهم البطولية المُشرفة أنهم لم يخنعوا لمستعمر حتى وإن باغتهم ولفترة قصيرة إلا أنهم كانوا مثالاً للشجاعة والإباء فطردوا الغازي شر طردة وإن تذرَّع بخدمة الإسلام والمقدسات، فقد كشفوا وفضحوا نواياه على الملأ فلم يجد أمامه سوى الفرار، ومع ذلك فقد مارس الخبث والغدر بسرقة موروثات إسلامية من خير البقاع المقدسة، عرب الجزيرة -وهم أصل العرب- لا تخبو عندهم جذوة الحَمِيَّة للأهل والدار والذِّمار (الذِّمارُ: ما ينبغي حِياطَتُه والذَّوْدُ عنه كالأهل والعِرْض)؛ ويُدوّن التأريخ -كمثال- قصَّتهم البطولية الحاذقة مع تُبَّع اليماني حسَّان أسعد -وتُبّع تعني الملك عندهم آنذاك- وكيف أنقذوا الأميرة العربية (الجليلة بنت مُرَّة) أخت جسَّاس، وهي من أفصح الشاعرات العربيات ومن أجمل نساء بكر بن وائل، وصارت فيما بعد زوجة وائل بن ربيعة (كُليب) أخ الزير سالم، أُنقذت قبل أن تطالها يد تُبَّع الغادرة؛ بحِيلة بطولية مُحكمة دبَّرها كل من وائل وأخوها جساس؛ ثم تبعهما الزير سالم وأمرؤ القيس، فقتلوا التُبَّع اليماني بملحمة تتحدث عنها الرواة حتى الساعة، ومثال آخر للفارس العربي (البَرَّاق بن روحان) حين أنقذ الفاتنة الشاعرة الأديبة الأريبة العربية (ليلى العفيفة) من براثن عصابة فارسية اختطفتها لتزويجها قسراً من ابن كسرى فأنجاها الله سبحانه من طغيانهم، وثمَّت ملاحظة مهمة بأن كثيراً من مصائب العرب ومن جاورهم تأتي من بلاد المجوس مصدر الغدر والنفاق.
هؤلاء هم العرب الأماجد لم ينحنوا لغاصب ومُحتل، لكنهم كانوا - وما زالوا - خير صديق وأوفى حليف لمن يبادلهم الصدق والوفاء والمصالح المشتركة، وتبقى الكرامة محفوظة مُنزَّهة عن شوائب المُداهنات والخداع المصلحي الوقتي، وصدٍ لدَنَس المُغرضين أرباب تصدير الثورات، وتأجيج الصراعات، وتدمير كل تقدم حضري يُحققه العرب والمسلمون.