إن المرأة وبصفة عامة تتمتع بنصيب الأسد في تصرفها الاستهلاكي، حيث تعتبر المرأة في المجتمع ذات العلاقة الكبرى والصلة الوثيقة بالسوق! فالنساء وما جلبن عليه عامة من حب الظهور والتفاخر وإثبات الوجود المادي لكيانهن، قد سهلن على البائع السير في الطريق الذي يؤدي إلى استغلالهن وبسهولة وإلى حد الوقوع في الخطأ العفوي في مسألة الإنفاق بما يملكن من دخل على سلع تقع أغلبها خارج نطاق حدود الضرورة اللازمة للحصول على أمثال تلك السلع وإشباع الحاجة منها.
إن الأغلبية من نساء العالم المتمدن على علم تام بمستوى معيشتهن وما يملك أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن من ثروة. وأنهن على علم أكيد ودراية كافية بما يوجد في بيوتهن من السلع الضرورية وغير الضرورية. وأنهن كذلك على معرفة أن البيت الذي تعيش فيه بغير حاجة إلى مثل تلك السلع بما فيها الملابس والأواني والأثاث والأدوات الكهربائية والحلي وأدوات الزينة والديكور ... إلخ.
ومع ذلك فإنهن يكثرن من الشراء حتى يكاد البيت غير متسع على رحبه بالفائض من تلك السلع التي تسبب في وجودها تصرفهن الخاطئ بدافع التفاخر والتقليد وتلك هي مشكلة المرأة العربية والبيت العربي!
والتقليد والمحاكاة هي إحدى صفات التخلف في الكيان البشري وأنظمته وخاصة في كيانات وأنظمة الدول النامية والمتخلفة حضارياً.
يقول الدكتور خضير عباس المهر في كتابه (المجتمع الاستهلاكي وأوقات الفراغ): إن محاولات التقليد والمحاكاة هي من عناصر النظام الرأسمالي التي تعمل بعكس الاتجاه الذي يؤدي إلى التنظيم والترشيد لأخلاقيات المجتمع.
إن سوء التصرف بالثروة ومنها موجودات البيت أصبح شيئاً مألوفاً وكأنه إجراء أو عمل يجب مزاولته والاستمرار على أدائه لأنه على زعمهم يمثِّل شكلاً من أشكال التفاخر والتباهي والمحاكاة لتصرفات الآخرين!
والغريب في (مشكلة التقليد) أنها في مظهرها وكيفية تطورها وتعدد أشكالها تختلف في وقع مراحلها في مجتمعنا العربي عن ما كانت وما زالت عليه في المجتمع الغربي الصناعي! على الرغم من أن الظاهرة واحدة. أقول إنها ظاهرة غريبة ومستغربة، حيث إن الكثير من العائلات التي تطورت حياتها الاقتصادية تستبدل الكثير من موجودات بيوتها ولما لم تستعمل بعد تلك الأثاث.
لقد فهم العالم المتقدم الصناعي (مبتدع مبدأ المجتمع الاستهلاكي) أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والدينية قبل غزوه لنا بفكرة المجتمع الاستهلاكي وحتى يدخل إلينا ومن أوسع الأبواب وهو محمل بأفكاره الجهنمية التي أكسبها بريقاً ينبعث من مفاهيم ظاهرها البساطة وسهولة الإدراك حتى بالنسبة للعامة من المجتمع العربي وباطنها التعقيد وصعوبة التخلّص من جدلية طروحاتها. وكان أن انبهرنا بأضوائها حتى أصابنا العمى الفكري قبل عمى العيون.
وكان أن تأثرنا وبفرحة غامرة أبكت العيون والقلوب على الزمن الذي ولى وكان هدراً زمن الجهل بتلك المفاهيم والأفكار التي غزتنا في عقر دارنا.. وكان ما كان.. وكان اقتناء للخدم واقتناء للسلع غير الضرورية وكان التنقل غير العقلاني لإشباع ظمأ النفس وليس العقل وكان أخيراً تقليعة (السوبر ماركت) والمعلبات المستوردة والسلع الكمالية التي حتى لو بحثت عنها في أسواق الدول المصدرة لها لسوف يضنيك التعب ولن تجد لها أثراً.
كان هذا حدث في مجتمعنا الاستهلاكي الناشئ تحت مبدأ تطور الدخول وتطور الأذواق إلى الأفضل السيئ.
في مجتمعنا العربي وخاصة الخليجي قد حصل في عملية التصور لأهمية الادخار كثير من التباطؤ والضعف وبالذات في محيط العائلة أي شعور العائلة العربية الخليجية تجاه الادخار والذي تضمن شيئاً من النظرة السلبية في قوة الدفع العائلي تجاه الادخار.
فالاهتمام بالادخار وتعليم أفراد المجتمع على كيفية القيام به وشرح منافعه للفرد وللمجتمع والدولة سيكون له تأثير كبير على سلوكهم أثناء العمل وفي أوقات فراغهم وكذلك في تصرفاتهم تجاه السلع الاستهلاكية. لأن الميل للادخار سيخلق لدى أفراد المجتمع أهدافاً جديدة تحددها مسبقاً مفاهيم جديدة تجاه النظر للحياة.
إن الميل للادخار والتفكير به يعني أن المجتمع قد بدأ يفكر في كيفية السير في الاتجاه الصحيح وباتجاه ومسار التوازن الطبيعي الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والتربوي.. معناه أن الفرد قد بدأ يفكر وإذا ما بدأ بهذه المرحلة من حياته الصعبة بدأ يشعر أنه إنسان ذو مكانة وأن الزمن له قيمة: منها القيمة الاستهلاكية.
وتجاه مسألة الادخار لا بد من النظر في شكل السوق وحالاته السائدة والمتقلبة في الأسواق العربية وإعادة النظر في الكيفية التي يراقب بها المنتج والبائع لمختلف أنواع السلع وخاصة الاستهلاكية والكمالية التي أتخمت السوق وجعلت المستهلك حائراً في أمره وعاجزاً تجاه إغراءات المنتج ووسائل بيعه.