هذه الأيام والليالي هي ليست كسائر الأيام والليالي، وهذا التاريخ هو ليس ككل التواريخ، نحتفل الآن بمرور 92 عاماً على ذكرى 23 سبتمبر العظيم.. التوحيد الذي استعاد الهوية الوطنية، عن هذه المناسبة، حكت لي صديقة تربوية عن حوار دار بينها، وبين ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات، حول توحيد 23 سبتمبر، الابنة سألت والدتها التربوية: (يعني ماذا توحيد 23 سبتمبر).
لم تجد الصديقة حسب قولها، لي إجابة مكتملة وجامعة تعبر عن حجم الحدث، وفي ذات الوقت تستوعبها ابنتها الطفلة.
نعم الموقف في غاية الصعوبة، فليس من السهل أن تشرح تفاصيل حدث عظيم بهذا الحجم، لمواليد هذا الوطن الذي أتوا بعد ذلك الحدث، أو حتى وقته، فالصعوبات كبرى والتفاصيل غامضة، والطفلة في هذا العمر لم تعايش هذا الحدث، سوى عبر البرامج الدرامية أو اللقاءات الحوارية التي تسمعها، لكنني قلت لها: زميلتي التربوي الفاضلة، الأيام ستكون كفيلة بأن يدرك هذا الجيل لمعنى وقيمة توحيد الوطن، الذي أنقذ مستقبل ابنتك وجيلها من البنين والبنات ممن عبروا من براثن الفوضى وغياب الجهل ومستنقع الظلام.
قطعاً سيأتي ذلك اليوم الذي ستعرف جيداً فيها ابنتك وجيلها معنى هذه التوحيد للوطن، الذي حرَّر عقولهم وأيامهم من سواد قاتم، وأضاء لهم مسارات الطريق أمام دولة مدنية حديثة، استطاعت المحافظة على هويتهم، وأزالت معوقات الأفكار والتطور والتنوير، واستعادت الهوية، ليس لهم لوحدهم، بل لجميع أجيال البلدان المجاورة في الخليج والعالم العربي، فهذا الجيل بالتأكيد سيعرف في يوم ما، أن 23 سبتمبر ليس بالتاريخ العادي، وأنه توحيد صاغ مملكة عربية جديدة، بتوقيع الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وأن آباءهم وأجدادهم انضموا تحت لوائه فخرجوا إلى فتح الرياض وغيرها من المناطق لاسترداد حكم الآباء والأجداد، بعد اختطافه من ابن رشيد، الذي ساندته الدولة العثمانية، وتستعد لاختطاف المتبقي من أجزاء هذا الوطن.
اختطاف كان سيحرمهم من الاحتياجات الضرورية في الحياة ربما، التي تلامس وجدانهم وأفكارهم، كان سيحرمهم من الفنون والثقافة والحرية والتطور.
اختطاف كان سيفرض عليهم الفقر بدل رغد العيش، اختطاف كان سيحول هذا الجيل إلى الهوان والضعف بدل العزة والقوة، اختطاف كان سيشيع النهب والسلب بدل الأمان والاطمئنان.
واصلت مع صديقتي: «ابنتك وأقرانها من هذا الجيل، أضحوا الآن في أمان من حيث الفكر والواقع، أيامهم فقط هي التي أعطتهم شرف عدم الميلاد في أعوام ما قبل 23 سبتمبر 1351هـ، بل إنهم سيعتزون بأنهم من مواليد هذا التوحيد العظيم والفتح المبين، سيوقنون يوماً ما، أن التاريخ قد احتفظ بحقهم في هذه الحياة تحت سقف وطن متوحد تحت راية واحدة، وملك مؤسس ضحى بالكثير والكثير ومعه رجاله الأشاوس كتلة واحدة من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ووسطه، من أجل تحريرهم من قبضة الخوف والفقر والمرض والسلب والنهب، وأفكار الجهل، وحافظ على الخرائط في اتجاه مستقبلهم الآمنة.
استمر حديثي مع صديقتي التربوية: «لا تقلقي على هذا الجيل، فهذا الجيل دون غيره، هو الذي سيجني النتائج العظمى لهذا التوحيد المبين، وهذا الجيل سيقرأ تاريخاً يختلف عما قرأه الآباء والأجداد، وأن شمس هذا الجيل، سيستمر إشراقتها بين الأمم، وأنه سيتباهى أيما مباهاة في يوم ما، بأن الآباء والأجداد، آمنوا بالوحدة الوطنية، فخرجوا تحت راية الملك عبدالعزيز إلى أرض المعارك، عازمين على تحقيق الهدف والسيطرة على المستقبل والاستحواذ على مفاصل المستقبل الواعد».
هذا الجيل سيأتي يوم يلتقون فيه مع نظرائهم في مختلف دول العالم العربي وحتى العالمي، وسيتجاذبون أبناؤه أطراف القصص والحكايات، حول 23 سبتمبر، هذا الفتح المبين، وسيدركون أن توحيد هذا الوطن خلق لغة وقاموساً لم يكونا موجودين في السابق، للقدرة الوطنية بين الشعوب الخليجية والعربية، لحمايتها من الجهل والخوف والفقر والمرض والسلب والنهب، وأن التاريخ أفرد هذا الجيل بنتائج هذا التوحيد الخالد، الذي وحد الوطن، كأمة واحدة، وأن هذا الجيل سيبقى يحتفظ ويحفظ قيمة وقامة من أداروا وطنه، بعد ميلاده كحرَّاس على مستقبله، الذي كاد أن يتبدّل، لولا أن هيأ الله سبحانه وتعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ}، فجاءت الثمرة مواكبة ومناسبة لوطن، أكثر أمناً وقوة واستقراراً وثباتاً وازدهاراً.
لم تقاطعني صديقتي التربوية، طوال إسهابي حول مستقبل هذا الجيل، ومن بينهم ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات، لكنها فقط قامت بإنهاء حديثها معي قائلة: «أنتِ على حق فيما ذكرتيه، حول إنقاذ مستقبل هذا الجيل وتعزيز حياته، لكنني أؤكد لك أن التوحيد المبين، لم ينقذ فقط جيل 23 سبتمبر، بل إنه أنقذ خرائط وبلداناً كاملة، واستعاد روح الوجود لهذه الأمة الخليجية والعربية، فلو تأخر هذا التوحيد قليلاً، لكانت النتيجة غير النتيجة والمسارات غير المسارات».