التعليم مهما كان نوعه ومكانه فهو ثابت ومتغير، ثابت بهدفه وأهميته والحاجة إليه ومتغير حسب الظروف والمتغيرات المحيطة، فالتعليم قديما ليس هو كما هو الحال الآن... والأمة في كل زمان بحاجة للتعلم والتعليم.
وفي اليوم الوطني.. مناسبة لتذكر أولئك الرجال الذين بذلوا جهدا وعملا شاقا ساعد في البناء ووضع الأسس... وعندما تتصفح المصادر لمعرفة بدايات التعليم الجامعي تلحظ انها تشير لعام (1369 هجري) وهو العام الذي فتحت كلية الشريعة بمكة المكرمة أبوابها
، وإذا تتبعت بدايات التعليم الجامعي في عهد الملك عبدالعزيز تجده قد سبق ذاك التاريخ بسنوات عديدة..
فالتعليم الجامعي في تلك الحقبة الزمنية له نماذج مختلفة عن هذا الوقت الحالي.. فقد كان هناك النموذج الانجليزي للتعليم الجامعي سائدا في الهند وتأثرت به الأقليات المسلمة في الهند، وهناك نموذج آخر يتمثل بجامعة الأزهر في مصر.... وفي الهند ومصر تجد التعليم الجامعي مرتبطا بسنوات التعليم العام، وعندما وصل الشيخ أحمد الدهلوي- رحمه الله تعالى- إلى المدينة المنورة طلب من الملك عبدالعزيز- رحمه الله- عام 1350هجرية فتح دار الحديث المدنية لتدريس علوم القرآن الكريم والحديث النبوي، وكانت في تلك الدار ثلاث مراحل تعليمية منها المرحلة العالية وهي المرحلة الجامعية.أما في مكة المكرمة فقد وصل إليها الشيخ أبو السمح قادما من مصر والذي تفقه في جامعة الأزهر فكلفه الملك عبدالعزير إماما للحرم المكي ووافق الملك عبدالعزيز على طلبه بفتح دار الحديث المكية عام 1352هجري.. والتي فيها ثلاث مراحل تعليمية منها المرحلة التي تسمى المرحلة العالية والتي كانت تمثل التعليم الجامعي وموافقة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله تعالى على افتتاح دار الحديث المكية صدرت بالخطاب رقم 65 في 3/2/1352هـ وبدأت الدراسة بها في يوم 12/3/1352هـ وقد وضح جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله في خطاب إلى الشيخ عبد الظاهر ابو السمح الهدف من فتح هذه المدرسة حيث قال جلالته (فإذا كانت المدرسة التي تريدون فتحها انه يعلم فيها الحديث والفقه وبالأخص فقه الامام احمد وعدم الإعابة على أحد من الأئمة فهذا نحن ممنونون فيه و نوافق عليه، فإن كان تخشى ان يصير اعتراض أوكلام يشوش الأمة كلها فهذا لا فائدة فيه، فأنت يجب عليك تتراجع مع الشيخ عبدالله بن حسن في ذلك وتنظرون في الأصلح وتقررون قرارا اعتمد عليه... ونحن نساعد في كل شيء).
وكان التعليم يتم في مبان مستأجرة بالقرب من الحرم لحين صدور موافقة الملك عبدالعزيز لتخصيص دار الأرقم المجاور للحرم مقرا لدار الحديث المكية.
والفترة منذ افتتاح مدرسة دار الحديث المكية عام 1352هـ إلى ضمها للجامعة الإسلامية عام 1391هـ مرت عليها تطورات و تغيرات منها تولى الشيخ عبدالظاهر أبو السمح إدارة دار الحديث المكية بموافقة من جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى.
وبدأت الدراسة بمستويين وعدد الطلاب 23 طالبا وكانت الدراسة على مرحلتين الأول التمهيدي: ويدرس الطالب مبادئ العلوم في الحديث والفقه والتفسير والتوحيد والعلوم العربية ومبادئ العلوم الرياضية والاجتماعية وغيرها.
المرحلة الثانية العالي وهو التعليم الجامعي.. ويدرس الطالب علوم الحديث من المهات الست وأصول الحديث والتفسير واللغة العربية وكل فصل أسنة دراسية واحدة.
وتميزت فترة إدارة الشيخ عبدالظاهر ابو السمح رحمه الله تعالى بالآتي:
.... وجود خطة للدراسة موضحًا فيها المواد الدراسية ووجود علماء أفاضل للتدريس في الدار مثل الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة و الشيخ محمد عبدالعزيز المانع -مدير المعارف سابقًا- والشيخ محمود شويل والشيخ عبداللطيف ابو السمح والشيخ محمد سلطان معصوم. ووجود مقر ومبنى خاص وهو دار الارقم بن أبي الارقم بمكة المكرمة إلى عام 1375هـ... ومع مشاريع التوسعة للحرم المكي انتقلت إلى مبان مستأجرة حتى استقرت أخيراً في مبان تعليمية عند مدخل مدينة مكة المكرمة للقادم من بوابة مكة المكرمة والتغيرات أيضا شملت انفصال التعليم العالي وهو التعليم الجامعي تحت اسم دار الحديث الخيرية..ولا يستغرب المتصفح للموقع الإلكتروني لدار الحديث المكية والموقع الإلكتروني لدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة عن تشابه المعلومات بل وتطابقها أحيانا.... رحم الله الملك عبدالعزيز وكل من ساهم في بناء التعليم الجامعي في هذا الوطن.
** **
- د.عيد بن حجيج الفايدي