نتذكر في هذا اليوم أمجاد ملوكنا الذين حفظوا أمن هذه البلاد، وعلى رأسهم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، فالمؤسس أعلن اكتمال تكوين المملكة العربية السعودية في عام (1351هـ)، ولكن كيف تم تكوين المملكة؟ لقد تم كالتالي: فتح الرياض، انضمام القرى المحيطة بالرياض، وانضمام القصيم، فتح الأحساء، فتح عسير، فتح المدينة المنورة، فتح حائل، فتح الطائف، فتح مكة، فتح جدة، انضمام نجران، انضمام جيزان. وبعد هذا الجهد الحربي التفت الملك المؤسس لضبط الأمن، ولكن كيف نجح المؤسس في ضبط أمن الصحراء المنفلتة، فالعيش فيها للقوي أما الضعيف فيعيش فقيراً وقد يموت من الجوع والأمراض التي تنشأ بسببه، كثير من البادية كان يعيش على النهب الذي يسمونه الكسب، وهو شرع عرفي لا يعيب بعضهم بعضًا بسببه، فالغارة مشروعة للقوي وسلب أموال الآخرين لا بأس به ما دام العرف يجيزه. لقد نهض الملك عبدالعزيز لينصف الضعيف ويُذَكِّر أبناء شعبه عامة في البادية وفي القرى وفي المدن بأن إنصاف المظلوم من الظالم يفصل فيه الشرع المطهر والحاكم ينفذ أمر الشرع. ولكن كيف تزول العادات المتأصلة! إنها تحتاج إلى مصابرة ولين أحيانًا وشدة في الحال التي تقتضيها. ولما توطد الأمن التفت المؤسس إلى خدمة الوطن والمواطن ولكن دخل المملكة لا يفي بمصروفاتها فلم تستطع المملكة بناء الطرق ونشر التعليم، وكان الملك عبدالعزيز يحس بحاجة المزارعين إلى المساعدة فأمر بإعانة المزارعين، ومعظم الإعانة من الإبل التي تستخدم في السانية.
وقد تفجر النفط في آخر حكم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن فاتجه الملك إلى عمارة الحرمين وتأمين الماء للمشاعر وتحسين طرقها والاهتمام بمساجدها وإعانة طلاب الحرمين وتأسيس المدارس في المدن وفتح المعاهد في مكة والرياض وبعض المدن وبناء سكة الحديد من الظهران إلى الرياض وبناء المطارات في المدن. وفي السنوات الأخيرة من حكم الملك عبدالعزيز فتُحت المدارس في المدن المتوسطة وانتشر التعليم وتحسنت المعيشة بسبب بيع النفط، وعُرفت الوظائف في عواصم الأقاليم فالتفت التجار إلى التوسع في التجارة بسبب الإقبال على الشراء من قبل الموظفين، وكان دخل النفط محدوداً فالطرق من الرياض إلى مكة غير معبدة والطرق من الرياض إلى الأحساء والظهران برية ما عدا بعض الطرق في المنطقة الشرقية التي عبدتها شركة أرامكو.
كان اهتمام الملك عبدالعزيز منصبًا على الأمن وقد تحسن الأمن إلى حد كبير قبل موقعة السبلة ثم اهتز الأمن قبل موقعة السبلة وبعدها بسنة ثم عاد الانضباط بعد حسم الأمر في انتصار الملك عبدالعزيز في السبلة سنة 1347هـ وساد الأمن في أرجاء المملكة لمدة عشر سنوات إلا أن حركة ابن رفادة في الشمال الغربي من المملكة أخافت سالكي الطرق كما أخافت الفلاحين في انتشار سرقة الإبل التي يعتمدون عليها في السانية وسقي النخيل والزرع، فمعيشتهم تعتمد على الزراعة، أما التجارة فالمشتغلون فيها قلة، والوظائف محددة، وقد انتصر الملك عبدالعزيز على ابن رفادة ومَنْ أعانه من جيران المملكة في الشمال والشمال الغربي، وحرب اليمن في عسير ونجران وجيزان لم تؤثر على الأمن إلا في المناطق الحدودية وقد انتهت هذه الحرب بانضمام نجران إلى المملكة ثم انحصرت الحرب بعد ذلك في ميْدِي وجيزان وانضمت جيزان إلى المملكة فأُعلن توحيد المملكة في سنة 1351هـ فساد الأمن وأصبح ابن الجزيرة العربية يسافر وحده لأن المملك عبدالعزيز أمضى هذه السنين وهمَّه إسعاد المواطن وإسعاد المواطن في الأمن الذي تحقق، أما المعيشة فالمواطن في صراع مع عيشه فالموارد محدودة.
في عهد الملك سعود: عندما تولى الملك سعود كان الأمن قد ثبت فالخوف من قطاع الطرق قد تولى فلا اعتداء ولا قطع طريق، وقد أعلن الملك سعود أن عهده سيكون حربًا على الجهل والمرض والفقر فبدأ بحرب الجهل حيث فتح مدرسة في كل قرية على الرغم من قلة موارد الدولة فالنفط لا تزال أسعاره متدنية مع قلة الإنتاج، وثنَّى بالحرب على المرض حيث فتح مستوصفاً في كل قرية، أما الفقر فيحتاج إلى معجزة للتقليل من وطأته مع رغبة الملك في التخفيف من وطأته، وبما أن الناس في معيشتهم قد اعتادوا على العيش المحدود فلم يتطلعوا إلى معيشة أفضل، وأفضى الملك إلى الملك فيصل فرغب في تطوير التعليم وعزم على فتح مدارس البنات وهو يعلم أن معارضي تعليم الفتاة سيقفون في وجهه، فجاءت الوفود إلى الرياض مطالبة بعدم فتح مدارس البنات ولكن الملك فيصل كان حازماً حيث قال: لن نجبر أحداً على تعليم ابنته، فمدارس البنات ستكون متاحة للراغبين في تعليم بناتهم. وقد انشغل الناس في أحاديثهم بما قال الملك وما قال المعارضون حول تعليم الفتاة، فنُفذ أمر الملك، ولم تمر سنوات قليلة إلا ومدارس البنات تعم المملكة، واجتازت الفتاة التعليم العام، ودخلت الجامعة والمعاهد الأخرى، فأصبحت معلمة وموظفة فشاركت الأسرة في سعة الدخل، فتحسنت معيشة الأسر عن هذا الطريق بالإضافة إلى زوال الجهل وفتح نوافذ أطلت منها المرأة لأول مرة، فرأت عالماً جديداً هي غافلة عنه، وأصبحت تقرأ في شؤون دينها ولا تحتاج إلى استفتاء في الأمور اليسيرة. رحم الله الملك فيصل الذي فتح باباً مغلقاً وميؤوساً من فتحه، وهكذا تبقى مآثر الملوك.
ويؤول أمر المُلك إلى الملك خالد، فيزداد دخل المملكة من النفط، حيث ارتفعت أسعاره إلى أضعاف مضاعفة، فما كان من الملك خالد -رحمه الله- إلا أن أمر بمضاعفة رواتب الموظفين، فارتقت معيشة الناس، وأقبلوا على شراء الكماليات، حيث زادت دخولهم عن الحاجة، وأصبح حديث الناس هو ما يتعلق بالرواتب ومضاعفاتها، وفتح البنك العقاري حيث يقرض كل سعودي ما يكفي لبناء مسكنه، وتوسع في منح الأراضي فخرجت المدن والقرى إلى خارج مبانيها المعهودة، ونشأت مدن وقرى بجوار المدن والقرى المعهودة، أما القرى بمبانيها الطينية فقد بقيت إلى اليوم شاهدة على العهد القديم، وبرزت القرى الحديثة شاهدة على حكم الملك خالد -رحمه الله.
الملك خالد كان حكمه قصيراً ومع ذلك أنعم الله عليه بسعة الرزق، وينتقل المُلك إلى الملك فهد والناس في سعة من الرزق والأمور مستقرة، ولكن أزمات الجيران أثرت على معيشة الناس وإن كان الملك لا يرضى بمس معيشة الأسرة، وبقيت الأسعار في شد وجذب حيث انخفضت أسعار الأراضي إلى نصف ثمنها، ومع ذلك فإن الملك فهد -رحمه الله- لم يمس أمراً يتعلق بمعيشة الناس، وآل المُلك إلى الملك عبدالله وفي عهده ارتفعت أسعار النفط، وفتح الباب للابتعاث، وبنى الجامعات في كل إمارة، وأنشأ جامعة نورة وشيد مركز الملك عبدالله المالي الذي هو اليوم معلم بارز من معالم من مدينة الرياض، وفتح طرقًا كثيرة، ومهد الطريق لسير قطار الشمال وقطار مدينة الرياض.
واليوم ننعم في مظلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فقد حافظ الملك سلمان على الأمانة التي أودع إياها وهي أمانة مُلك آل سعود، فالتفت -حفظه الله- إلى أمجاد آل سعود في الدرعية، وفي دارة الملك عبدالعزيز التي أنشأها عندما كان أميراً للرياض، واهتم -حفظه الله- بيوم تأسيس الدولة السعودية فصدر الأمر الملكي بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية ويصبح إجازة رسمية، وتأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ الموافق 1727م، فالتفات الملك سلمان ليوم التأسيس مأثرة عظيمة تضاف إلى إنجازاته، ومن اهتمامات الملك سلمان -حفظه الله- إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة. حفظ الله الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وفي اليوم الوطني يعتز كل مواطن بلَمّ الشَّمْل في هذا اليوم ونبذ الفرقة، فالمواطن الصالح هو من يعتز بوطنه ويدافع عنه إعلامياً في هذا الوطن الذي أصبح فيه التواصل الاجتماعي متاحاً للجميع، وكيف لا ندافع عن وطننا! فالوطن فيه بيتك الذي يؤويك، وفيه مزرعتك، وفيه أسرتك، وفيه جيلك الذي نشأت فيهم، إن تلك النماذج التي أنكرت وطنها رجعت بالخيبة ونبذها الوطن الآخر فعرفت عند ذاك قيمة الوطن والمواطنة، إنها نزوات لبعض من أنكر حق وطنه لا تكاد تتجاوز السنوات حتى يبدو اليأس على المنكر حق الوطن فيعود صاغراً بعد الندم على ما فات.
حفظ الله وطننا من كل سوء في يومه المجيد، وحفظ القائم على حفظه وحمايته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
** **
- أ. د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل