في شهر يناير لعام 1876م، شهدت هذه الأرض المباركة مولد رجل مقدام حباه الله الحكمة وبعد النظر، والقدرة على استشراف المستقبل بتحويل هذه الصحراء القاحلة ذات الموقع الاستراتيجي إلى موطن خير وعطاء، ومكان جذب للقاصي والداني، يقطنه اليوم حوالي (35) مليون نسمة، يعيشون في امن ورخاء على مساحة شاسعة تقدر بحوالي مليوني كيلومتر مربع، وتعد المملكة أكبر دول الشرق الأوسط مساحة ويأتي ترتيبها الـ(13) على مستوى دول العالم، ومن أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط الخام، ومخزون هائل للثروة المعدنية والموارد الطبيعية وقوة استثمارية رائدة، وتحتل المرتبة الـ(17) في مجموعة العشرين، أكبر اقتصادات العالم، وتمتلك احتياطي أجنبي يقدر بحوالي (1.7) تريليون ريال، يفوق موازنتها السنوية، ومعدل دخل الفرد في المملكة تجاوز الكثير من الدول المتقدمة، وتعد الأقل من بين دول العالم في معدلات الجرائم والاكثر اماناً، وتعتبرمحطة دولية للتشاور ومعالجة القضايا الإقليمية والدولية، وتتبوأ مكانة مرموقة في المنظمات والهيئات الدولية، وهي بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، ذات كيان اقتصادي شامخ، وثقل سياسي عالمي، وزعامة إسلامية حاسمة. وما كان ذلك ليتحقق لولا أن قيض الله لهذه الأمة في مطلع القرن التاسع عشر حاكماً عادلاً وإماماً محنكاً، قاد البلاد والعباد تحت راية التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فانطلق من مسقط رأسه الرياض، معقل آبائه وأجداده، للم الشمل وتوحيد الصفوف ونزع فتيل التناحر والصراعات القبلية، وبدهائه ومؤازرة رجالاته المخلصين، امتد نفوذه على كامل شبه الجزيرة العربية، وخاض معارك عديدة لاكثر من ثلاثين عاماً، انتصر فيها على أعداء وحدة الوطن، وحل الوئام محل الشتات، والأمن بدلاً من الرعب والخوف.
وفي يوم (23) من شهر سبتمبر لعام 1932م تم توحيد البلاد بمسمى المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، وبدأت مسيرة البناء والتنمية ووضع النظم المالية والإدارية والخطط المستقبلية، وأولى اهتماماً بالغاً بحفظ الأمن ونشر العلم وسلامة وصحة المواطن.
وبعد وفاة موحد البلاد في عام 1953م، خلفه أبناؤه البررة (سعود- فيصل- خالد- فهد- عبدالله)، رحمهم الله، الذين ساروا على نهجه وخطاه في تطوير البلاد ورعاية المواطن. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمد الله في عمره، انتقلت المملكة العربية السعودية إلى مرحلة جديدة تتسم بالكيف والنضوج والتنوع الانتاجي واستدامة الموارد من خلال رؤية واعدة وطموحة (رؤية المملكة 2030)، التي اعتمدها مجلس الوزراء في شهر ابريل لعام 2016م. وعراب هذه الرؤية ومهندسها شاب مبدع وملهم، سمو ولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، المعروف بغيرته على وطنه، وشغفه بكل ما هو حديث وجديد، لا يعرف المستحيل، ويعانق التحديات بإصرار وعزيمة لا تلين، في سباق مع الزمن لتنفيذ اهداف وبرامج الرؤية، لنقل بلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول عام 2030م. ومن نتائج هذه الرؤية، تعيش المرأة السعودية ازهى عصورها، حيث حصلت على الكثير من حقوقها كحقها في قيادة السيارة وتقلد المناصب الادارية العليا، وتراجعت معدلات البطالة للسعوديات من 35 % تقريباً قبل الرؤية إلى حوالي 20 % في مطلع هذا العام. وبفضل الله ثم المتابعة الدقيقة لبنود واهداف الرؤية من قبل سمو سيدي ولي العهد حفظه الله وتطبيق اسس ومعايير الحوكمة الرشيدة عليها، نجد تحسناً في الكثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، نسجل بها مراكز متقدمة على الصعيدين الإقليمي والدولي. على سبيل المثال لا الحصر، حقق المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في معرض آيسف لعام 2022م المركز الثاني في عدد الجوائز التي حصل عليها بين دول مجموعة العشرين، مما يعكس التحسن الملموس في التعليم ومخرجاته.
ويشار للمملكة بالبنان في التغلب على جائحة الكورونا، وباتت تجربة ناجحة استفادت منها الدول المتقدمة. وسجلت الرؤية نجاحاً مبكراً في تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل، فاليوم تمثل العائدات غير النفطية أكثر من 35 % من موازنة الدولة، في حين أن النسبة قبل الرؤية لا تتجاوز 15 %.
وارتفع رأسمال صندوق الاستثمارات العامة من حوالي (600) مليار ريال قبل الرؤية إلى أكثر من (2) ترليون ريال لهذا العام، مما يعزز من الاستدامة المالية للأجيال القادمة. وفي مطلع هذا العام، انخفضت معدلات البطالة للسعوديين (ذكور وإناث) إلى 10.1 % بدلاً من 11.6 % قبل الرؤية، وزادت نسبة تملك المواطنين للسكن من 47% قبل الرؤية إلى أكثر من 60 % في الوقت الحاضر. فلا غرابة ان تتقدم المملكة في مؤشر السعادة العالمي، لتحتل في عام 2022م المرتبة (25) من بين (156) دولة حول العالم.
والمملكة تعزز مكانتها العالمية يوماً تلو الآخر، إذ حصلت مثلاً في عام 2022م على مقعد أساسي في المجلس الأوربي، لتصبح أول دولة عربية تشارك في المجلس الأوربي. وهناك مشاريع ضخمة قيد الانشاء لا مثيل لها في العالم من حيث الكم والكيف كنيوم وبوابة الدرعية والقدية والبحر الأحمر وحديقة الملك سلمان وذا لاين.
وعندما تؤتي هذه المشاريع ثمارها في غضون السنوات القليلة القادمة، ستكون جودة الحياة في المملكة الأفضل من بين دول العالم. جهود جبارة ومشاريع عملاقة ورؤية صائبة تتطلب تكاتف وتعاون الجميع لتحقيقها على ارض الواقع. فهي دارنا ومحل فخرنا واعتزازنا، وواجبنا المحافظة على مكتسبات الوطن والوقوف صفاً واحداً مع قيادتنا الرشيدة، لحماية البلاد والعباد من كيد الأشرار.
نهنئ انفسنا وقيادتنا الرشيدة على ما تحقق من إنجازات قياسية في عام منصرم حافل بالمسرات والنجاحات اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. وكل عام ووطننا بإذن الله في أمن وأمان ونمو وازدهار، سائلاً المولى عز وجل ان يحفظ مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي ولي عهده الأمين، بقيادتهما بحول الله نسير إلى بر الأمان، ونرتقي إلى الأمام، وننافس الدول الصناعية والمتقدمة في كل مجال.
** **
د. أحمد بن محمد السالم - نائب وزير الداخلية سابقاً