تَحلّ في هذه الأيام ذكرى فخر واعتزاز، ذكرى يومنا الوطني الثاني والتسعين، تلك الذكرى التي تُجسِّد معاني الولاء والحب والانتماء إلى هذا الوطن المعطاء، الغالي على قلوبنا جميعاً. يوم الوطن هو يوم نستعيد فيه ذكريات الماضي المجيد، ونعيش فيه هذا الحاضر الزاهر، ونتطلع فيه إلى مستقبل مشرق. فمنذ أن مَنّ الله على هذه البلاد المباركة بالتوحيد على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيَّب الله ثراه- ومشاهد العز والفخر حاضرة بين سطور هذا التاريخ العريق. فقد كان القدر يشير إلى أن هذه المسيرة مآلها -بإذن الله- إلى التمام والكمال، فما أن مرّت ثلاثون عاماً، حتى أعلن الملك عبدالعزيز توحيد هذه البلاد على أساس تحكيم كتاب الله وسنَّة نبيه، فبايعه جميع أهلها، وصدر الأمر الملكي الرسمي بالإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم «المملكة العربية السعودية»، بدءاً من 21 جُمادى الأولى 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، الأول من الميزان، وحُدّد هذا اليوم ليصبح اليوم الوطني للمملكة.
نعم، هي لنا دارٌ ووطنٌ كريمٌ معطاء، وطن يعيش فينا ونعيش فيه، يحظى بحب جارف نقي مخلص من أبنائه وبناته، فمنذ تأسيس هذه الدولة المباركة وشواهد هذا الحب تضيء صفحات تاريخها العريق، فها هو الملك عبدالعزيز- طيَّب الله ثراه- يقود مسيرة توحيد هذه البلاد على أساس من الحب والانتماء للوطن، محاطا ًبرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأدركوا قيمة حب الوطن والانتماء إليه في رفعته والارتقاء به إلى المراتب العلا. فما أن استرد الملك عبدالعزيز مدينة الرياض في 5 شوال 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م إلا واندفع سكان الرياض وما حولها بشعور مفعم بالحب والانتماء إلى مبايعة الأمير الشاب الذي أعاد الحق لأصحابه، وما كانت هذه المبايعة إلا صورة ساطعة مليئة بالأمل وحب الوطن، وخطوة أولى في مسيرة التوحيد لوطن أحبهم وأحبوه منذ الوهلة الأولى. وأخذ شعور حب الوطن يزداد يوماً بعد يوم، ويزاد معه رفعة هذا الوطن وتطوره في مجالاته كافة. واقتفى أثر المؤسس أبناؤه ملوك المملكة العربية السعودية من بعده، إذ جعلوا من المواطن السعودي محور التنمية والتقدم الذي تدور حوله جميع الخطط والإستراتيجيات الحاضرة والمستقبلية في هذا الوطن، وها نحن اليوم نرفل في ظلال هذه التنمية ونعايشها في جميع المجالات، وحكومتنا الرشيدة تُيَسّر السبل وتذلّل الصعاب لراحة ورفاهية المواطن في مختلف مناطق المملكة، وقد بدا ذلك جلياً في خطابات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله - إلى مواطنيه فيقول في أحدها: «أبناءنا وبناتنا.. لقد سخّرت لكم دولتكم كل الإمكانات ويسّرت لكم كل السبل لتنهلوا من العلم في أرقى الجامعات في الداخل والخارج، والوطن ينتظر منكم الكثير، فعليكم أن تحرصوا على استغلال أوقاتكم في التحصيل، فأنتم استثمار المستقبل للوطن»، وقال - حفظه الله- «إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي فلا فرق بين مواطن وآخر ولا بين منطقة وأخرى وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن»، وفي هذا تأكيد من القيادة الرشيدة -حفظها الله- على قيمة اللحمة الوطنية في الارتقاء بالوطن، وأن المواطن هو الهدف الأسمى والغاية المثلى من كل خطط التنمية. وجاءت الرؤية المباركة - رؤية 2030- لتؤكد على هذا الهدف وتجلو معانيه، ففي ذات المعنى يذكر سمو ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعو- حفظه الله- في كلمته بمناسبة ذكرى اليوم الوطني السادس والثمانين: «تمر اليوم ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، ونحن نستحضر ما قام به مؤسس بلادنا وباني نهضتها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله- وأبناؤه البررة من بعده، مشيدين بما تشهده المملكة من نمو وازدهار مستمر تحت قيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، وهي تَشرُف بخدمة ورعاية الحرمين الشريفين وقاصديهما». هذه المقتطفات الثرية من ولاة الأمر -حفظهم الله- تدفعنا إلى القول بكل فخر واعتزاز أن حب هذا الوطن والانتماء إليه هو الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية والاستقرار والازدهار، كما أنه قيمة راسخة في نفوس أبناء هذا الوطن وبناته، تضيء لهم الطريق نحو التقدم والنهضة والرقي، في ظل رؤية الوطن المباركة 2030 .
** **
بقلم: الأمير نايف بن ثنيان آل سعود - عميد كلية الآداب بجامعة الملك سعود