عطية محمد عطية عقيلان
تتحكم في قرارات الإنسان طيلة حياته عوامل عدة، منها المبادئ التي يؤمن بها، وأحياناً المصالح التي تتحقق له من ذاك الموقف أو تلك المقولة أو الشهادة، ويعتبر الثبات على المبادئ من الصفات الحميدة والإيجابية التي يتصف بها الإنسان والتي لا تتلون حسب بوصلة الأهداف والمصالح، طبعاً من أهم المبادئ المهمة في حياتنا قول الحق والشهادة بالعدل والحقيقة، وكما قال الشيخ محمد الشعراوي»إن لم تستطع قول الحق، فلا تصفق للباطل»، ولكن ماالذي يجعل الإنسان يتخلى عن مبادئه التي يؤمن بها، أو بعبارة أدق مالذي يجعلنا نتلون في الحكم على الأشياء في نفس الموقف ولكن باختلاف من قام بها؟؟!!، وفي رأيي أن أقوى المؤثرات التي تجعل المبادئ مطاطة ومتلونة وحسب المطلوب منا، هو «السيد» الذي يوجهنا لذلك سواء كان شخصاً أو مالاً أو جاهاً أو منصباً أو مصلحة، لذا فالسيد يختلف من شخص لآخر، وتكون قوته حسب نظرة الإنسان، فعلى سبيل المثال :
- فالسيد للموظف الكسول والانتهازي هو المدير الذي بيده الصلاحيات والترقيات والمكافآت، وكل ما يقوله هذا المدير وإن كان على خطأ، سيجد الموظف ذاك الذي يعزز ويؤكد صحة مايقوله ولو كان لا يؤمن بذلك ولكن مبدئه، سلك للمدير فهو الآمر الناهي وهو المفيد في هذه المرحلة، وعند تغييره سيكون صاحبنا أول من يتخلى عنه ويمتنع حتى عن رد الاتصال.
- وذاك الكاتب أو الإعلامي، سيكون سيده الجهة الإعلامية التي تقدم المال له، ويتم استضافته ليقول أو يكتب ما يعزز وجهة نظر هذه الجهة، بعيداً عن المثالية والمبادئ التي يتغنى بها، ويؤمن أن سبب ذلك، أنه يريد أن يأكل عيشاً، والمبادئ لا توكل خبزاً، لذا ترى بعض الممثلين أو المطربين، يظهرون بصور لاتناسبهم وتناسب أعمارهم، فالسيد بالنسبة لهم هو المال.
- وستجد من بعض المهندسين والأطباء والصيادلة ...إلخ، من يخالفون مبادئهم من أجل إرضاء سيدهم المتمثل في المالك أو صاحب المشروع، أو حتى الزبون من أجل إرضائه وإن كان ضد العلم والمبادئ والقيم.
- حتى المنظمات الدولية والرياضية والفنية، اتضح أنها تتبع سيدها في المواقف والقرارات والتي تصدر حسب وجهة نظره وقوة تمويله، في تناقض في المبادئ بوضوح وضوح الشمس في كبد السماء، لذا نرى بعضها ذات مبادئ مطاطة تصدر حسب مايريده السيد الممول أو المدير.
لذا عزيزي القارئ لا تغتر بمثاليتنا أحياناً وتغنينا بالمبادئ والقيم والتشدق بأننا أصحاب مواقف لا تتغير، العبرة في صدق ما نقوله أو كذبه هو أرض الواقع وعند الامتحان الحقيقي لما يتعارض مع مصالحنا الخاصة ولكنه يوافق مبادئنا وما ننادي به، وهذا ينطبق على المنظمات الدولية بمختلف مسمياتها، وما تقوم به من توجيه تهم أو تصنيف للدول أو الأشخاص، فمع كل أزمة يظهر تلونها، فالوصف وذمه أو مدحه، يصدر حسب الميول والداعم والمصلحة، فما يعتبر أنه أعتداء قد يتحول إلى دفاع عن النفس، وحرية التعبير قد تتحول إلى معاداة السامية وفوضى وتهديد الآمنين، وما يمكن أن يصبح إرهاباً ودعوة للحرب، يتحول إلى دعم للعدالة والحرية والاستقلال، وما يطلقون عليه عنصري ومعادٍ للسامية، في مكانٍ آخر ودولة أخرى يصبح وطنياً، والانتحاري يصبح بطلاً، والديمقراطية تتحول إلى ديكتاتورية. وهي دروس لنا جميعاً، لضبط ردات فعلنا وعدم التصديق والحماس لكل ما يصلنا من أرقام أو ادعاء أنها حقائق وإدانات أو قرارات مهما كانت الصفة للمنظمة أو الدولة أو الوسيلة أو للشخص، لأن من يؤثر في قراراتها وتوصيفها هو الطرف القوي فيها، والداعم بالمال والنفوذ، وهي تذكر بالمثل «اللي عنده سيد ... مالوا صاحب» أياً كان هذا السيد سواء من يصرف الراتب والمكافآت أو من يقدم المساعدة والدعم والمنح، أو من يوظف ويعلم، لذا لا تستغرب من تلون وتناقض الأشخاص أو وسائل الإعلام التقليدية ومن بعض المفكرين ومن يدعون التحليل السياسي، لأن تبدل آرائهم ونظرتهم وحكمهم، لها بوصلة خاصة تتجه حسب المصلحة والعائد وليس حسب الشمال والموضوعية والعدل، ولنتذكر جميعاً كيف فضحت وسائل التواصل الاجتماعي وعورة الكثير من أصحاب الهوى في تحليلهم وحكمهم على الأحداث والتناقض لبعض المفكرين والإعلاميين وتلونهم ورقصهم على حبال المصالح بكل حرفية واقتدار دون خجل، لتؤكد أن الدوافع سواء لأشخاص أو بعض المنظمات، ليس العدل والمبادئ الإنسانية ونصرة المظلوم، ولكنها وفق المصالح والاعتبارات والتوجهات، وتستخدم كل أنواع الضغط والتحريف والتضليل لتحقيق أهدافهم . وقد تختصر المقولة الشهيرة «الزبون دائماً على حق» هذا المنزلق عن المبادئ لتحقيق المصالح فالزبون أو السيد أو المدير وحتى الزوجة ليس دوماً على حق.
خاتمة: تعبر هذه الأبيات الجميلة للشاعر العباسي «أبو العيناء» وتختصر حكاية المقالة في التأثير لغنى الشخص أو فقره في تصديقه، وقس عليها باقي الأمور، يقول:
إِنَّ الغَنيَّ إِذا تَكَلَّمَ كاذِباً
قَالوا صَدَقْتَ وَما نَطَقْتَ مُحالا
وَإِذا الفقيرُ أَصابَ قالوا لَمْ تُصِبْ
وَكَذَبْتَ يا هذا وَقُلْتَ ضلالا
إِنَّ الدَّراهِمَ فِي المَواطِنِ كُلّها
تَكْسُو الرِّجَالَ مَهابَةً وجَلالا