«الجزيرة» - الاقتصاد:
اختطت المملكة مساراً استراتيجياً نوعياً لتعزيز قطاع الطاقة المتجددة وتعظيم عائده الاقتصادي والتنموي والبيئي ومساهمته في منظومة الطاقة، وخطت خطوات مطردة على هذا المسار، حيث أطلقت جملة من المشاريع الكبرى التي تواكب متطلبات المرحلة المقبلة والتطورات المستقبلية في قطاع الطاقة عالمياً، حيث تتمتع المملكة بموقع جغرافي ومناخي متميز يجعل الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة أمرًا مجديًا اقتصاديًا وداعمًا لجهودها في مجال تنويع مصادر الطاقة. ويعد البرنامج الوطني للطاقة المتجددة مبادرة استراتيجية تحت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة ورؤية المملكة 2030، ويستهدف زيادة حصة المملكة في إنتاج الطاقة المتجددة إلى الحد الأمثل، وتحقيق التوازن في مزيج مصادر الطاقة المحلية والوفاء بالتزامات المملكة تجاه تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ومن خلال البرنامج تعمل وزارة الطاقة على تنويع مزيج الطاقة الوطني المُستخدم في إنتاج الكهرباء، بزيادة حصة الغاز ومصادر الطاقة المتجددة فيه، حيث تستهدف المملكة تحقيق المزيج الأمثل للطاقة، والأكثر كفاءة والأقل كلفة في إنتاج الكهرباء، وذلك بإزاحة الوقود السائل والتعويض عنه بالغاز الطبيعي، إضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة التي سوف تشكل ما يقارب 50% من مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030. كما تشمل الطاقة المتجددة إنشاء صناعة جديدة لتكنولوجيا الطاقة المتجددة ودعم بناء هذا القطاع الواعد من خلال تسخير استثمارات القطاع الخاص وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث تعمل الوزارة على التخطيط لتحفيز القطاع الخاص والمهتمين للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، وذلك بإيجاد سوق تنافسي محلي للطاقة المتجددة، كما يعكس حصول المملكة على أقل الأسعار في العالم لمشاريع الطاقة المتجددة جاذبية هذا الاستثمار، حيث حققت المملكة السعر الأكثر تنافسية على مستوى العالم في توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية وبتكلفة إنتاج تُعد رقمًا قياسيًا عالميًا.
وتعمل مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة الطاقة في المملكة على وضع وتنفيذ الخطط الوطنية لتمكين الطاقة الذرية من المساهمة في مزيج الطاقة الوطني لتلبية متطلبات التنمية الوطنية المستدامة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 وتعزيز دور المملكة دولياً بوصفها رائدة وفاعلة في مجال الطاقة. ومن أهم فوائد إدخال الطاقة الذرية للمملكة تنويع مصادر الطاقة وتعظيم أثرها الإيجابي على الاقتصاد والبيئة، بدلاً من الاعتماد التام على البترول ومشتقاته في إنتاج الطاقة مما يعظم الاستفادة من الموارد البترولية عبر الزمن للأجيال القادمة. كما ستسهم الطاقة الذرية وتطبيقاتها السلمية في توليد الكهرباء والمساهمة في معالجة بعض التحديات التي تواجه المملكة مثل تحدي الشح المائي الذي تعاني منه المملكة عبر التوسع في استخدام الطاقة الذرية لتحلية المياه المالحة. ويتفق المشروع الوطني للطاقة الذرية الذي أطلقته المملكة تمامًا مع التزامات المملكة الدولية وسياستها الوطنية في تبني التقنيات النووية السلمية في التنمية وإنتاج الطاقة، والتزامها الصارم باستخدام أعلى المعايير وأفضل الممارسات الدولية المتعلقة بالسلامة والأمن النووي. كما أنه قد أُسّس كيان مستقل معني بالرقابة والسلامة النووية باسم «هيئة الرقابة النووية والإشعاعية. «بقرار مجلس الوزراء بتاريخ 25/ 6/ 1439هـ، باعتبارها الجهة الوطنية المسؤولة عن مراقبة ومتابعة الطوارئ الإشعاعية والنووية في المملكة، ولها دور رئيس في الخطة الوطنية للاستجابة للطوارئ الإشعاعية والنووية «، كما تم تأسيس شركة نووية قابضة لتكون كيانًا قانونيًا مستقلاً معنيًا بمتابعة وتحقيق المصالح التجارية للمشروع الوطني للطاقة الذرية في المملكة عن طريق المشاركة والاستثمار في المشاريع والأصول ذات الجدوى الاقتصادية محليًا وعالميًا. وبدأت نشاطات المركز السعودي لكفاءة الطاقة منذ إنشائه عام 2010 بوضع برنامج وطني يهدف إلى تحسين ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في ثلاثة قطاعات رئيسة، تستحوذ على ما يزيد عن 90 % من الاستهلاك المحلي للطاقة هي المباني والصناعة والنقل البري، حيث أسهم البرنامج في إطلاق مبادرات كفاءة الطاقة، بالتعاون مع أكثر من 30 جهة حكومية وشبه حكومية من خلال فرق عمل قامت بإعداد أكثر من 80 مبادرة في مراحل مختلفة، وفي العام 2018م أضيف لنطاق عمل المركز مجال كفاءة الطاقة في إنتاج الكهرباونقل وتوزيع الكهرباء وتحلية المياه، كما تمت إضافة كفاءة استخدام اللقيم في العمليات الصناعية.
ومن أبرز الجهود للحد من استهلاك الطاقة تغطية أكثر من 180 خط إنتاج ضمن الإطار التنظيمي لكفاءة الطاقة لقطاع الصناعة، وتطوير 26 مواصفة ولائحة قياسية لكفاءة الطاقة بهدف تحسين كفاءة الطاقة في قطاع المباني، وفي قطاع النقل البري تم تطوير عدة مبادرات لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في المركبات الخفيفة والثقيلة. ورافق هذه الجهود تنفيذ عدد من الممكنات الرئيسية مثل تطبيق إجراءات رقابية مشددة لمنتجات كفاءة الطاقة، وتنمية وتأهيل القدرات الوطنية في هذا المجال عبر دورات تدريبية متخصصة وعامة، كما تم تنفيذ حملات توعوية على مستوى المملكة، فضلاً عن تقديم التراخيص لشركات خدمات الطاقة التي تؤهلها لتنفيذ مشاريع التدقيق وإعادة التأهيل للمباني. كما أنشئ برنامج استدامة الطلب على المواد الهيدروكربونية تحت مظلة اللجنة العليا لشؤون المواد الهيدروكربونية، وبمشاركة العديد من الجهات الحكومية، ومراكز الأبحاث والشركات ذات العلاقة. ويهدف البرنامج إلى استدامة وتنمية الطلب على المواد الهيدروكربونية باعتبارها أحد أهم مصادر الطاقة خلال العقود القادمة وذلك من خلال التركيز على الأبحاث والابتكار لإحلال مواد مبتكرة مشتقة من المواد الهيدروكربونية مكان المواد التقليدية، والاستدامة من خلال رفع الكفاءة البيئية والاقتصادية للمواد الهيدروكربونية، والتنمية في الاستخدامات التقليدية والمبتكرة للمواد الهيدروكربونية عبر زيادة الوصول إلى مصادر الطاقة في الأسواق الناشئة. يركز البرنامج أيضاً على الابتكار في الاستخدامات المختلفة للبترول والغاز من أجل رفع الكفاءة الاقتصادية والبيئية بشكل مستدام وصديق للبيئة، إضافة إلى استثمار القيمة المضافة الممكن تحقيقها من الموارد، ورفع القيمة المضافة من سلسلة إمداد المواد الهيدروكربونية الحالية، والتحولات في منظومة الطاقة في المملكة، حيث تطمح المملكة لاستثمار المواد الهيدروكربونية الاستثمار الأمثل بما فيها الموارد التقليدية وغير التقليدية من البترول والغاز التي ستحدث نقلة نوعية في مجال الطاقة والاقتصاد الوطني بشكل عام. ويعمل البرنامج على تعزيز القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من المواد الهيدروكربونية، وذلك بتعزيز التكامل بين القطاعات البترولية والبتروكيماوية، والعمل مع الشركات على توسيع أعمالها في مختلف المجالات من خلال تطوير مواد مبتكرة من المواد الهيدروكربونية. وتعزيز استخداماتها الجديدةوالمستدامة مما يساعد في ترسيخ مكانة المملكة في هذا القطاع.
وأطلقت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون والذي اعتمدته مجموعة العشرين بوصفه إطارًا متكاملًا وشاملًا لمعالجة التحديات المترتبة على انبعاثات الغازات الدفيئة وإدارتها بشتى التقنيات المتاحة. ويمثل هذا النهج طريقة مستدامة لإدارة الانبعاثات باستخدام أربعة محاور (التخفيض، وإعادة الاستخدام، والتدوير والتخلص). ويتناغم إطار الاقتصاد الدائري للكربون مع رؤية المملكة 2030 من حيث تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمواءمة والعمل مع كافة القطاعات التنموية بالمملكة (الطاقة، والصناعة، والمياه، والزراعة، والسياحة، وغيرها من القطاعات). وقد تبنت المملكة هذا المفهوم، كطريقة جديدة لتحقيق الأهداف المناخية، وتشجيع الجهود الرامية إلى الحد من تراكم الانبعاثات الكربونية والاستفادة منها، مع الحد من الآثار السلبية على البيئة، وإزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي. فالبرنامج يدعم جهود المملكة لتعزيز التنمية المستدامة ودورها الرائد في المجال البيئي، ويتم من خلاله تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية للمملكة على المدى الطويل مع الأخذ في الاعتبار مسؤوليتها الرائدة تجاه البيئة، إضافة إلى تطوير قطاع الطاقة ورفع القيمة المضافة منه من خلال استغلال انبعاثات الكربون واستخدامها في مجالات أخرى لتحقيق المنفعة الاقتصادية وتطوير التقنيات اللازمة لتحقيق ذلك. وتعد المملكة من الدول الرائدة على مستوى العالم في الحد من كثافة انبعاثات الكربون الصادرة عن أعمال إنتاج البترول وما يرتبط بها من أعمال الحرق في الشعلات. أما الهيدروجين فهو وقود خالٍ من الغازات الدفيئة، ويمكن أن يلعب دورًا رئيسًا في تحولات مزيج الطاقة المستقبلية من خلال مجموعة واسعة من التطبيقات والاستخدامات المحتملة، ففي العمليات الصناعية مثلاً يستخدم كوقود أو مواد أولية، ويستخدم أيضاً لإنتاج الطاقة الكهربائية وفي وسائل النقل والمواصلات. يمكن إنتاج الهيدروجين منخفض الغازات الدفيئة من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون (الهيدروجين الأزرق)، أو من مصادر الطاقة المتجددة (الهيدروجين الأخضر).
على الصعيد العالمي من المتوقع أن يسهم استخدام الهيدروجين في الحد من الانبعاثات الإجمالية بمقدار 200 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030م و 1600 مليون طن سنويًا بحلول عام 2050م. ونظرًا لما تتمتع به المملكة من موارد هيدروكربونية منخفضة التكلفة وموقع استراتيجي لمصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة فإن المملكة ستكون رائدة عالميًا في اقتصاد الهيدروجين وتحافظ على مكانتها كرائدة في مجال الطاقة في القرن الحادي والعشرين. ويعد أمن الطاقة واستدامتها موضوعًا ذا أهمية بالغة، إذ إن العالم في حاجة مستمرة إلى الطاقة بأشكالها كافة، كما أن وضع سياسات فعالة لأسواق الطاقة توازن بين أمن الطاقة واستدامتها يشكل تحدياً كبيراً لصناع القرار عالميًّا، وعليه فإن سياسات الطاقة موضوع رئيس في دراسات وأبحاث المراكز الفكرية حول العالم. وفي سياق ذلك؛ يقدم مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) دورًا مهمًّا، إذ يجري المركز بحوثًا موضوعية في كل من الطاقة والبيئة وما يتعلق بهذه الموضوعات من اقتصادات وسياسات وتقنيات، إضافة إلى دوره القيادي في مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وإطلاقه بالتعاون مع خمسة مراكز فكرية وبحثية عالمية دليل الاقتصاد الدائري للكربون. ويتمتع كابسارك أيضًا بكونه مركزًا فكريًّا وجهة استشارية، إذ إن المركز ذراع مساندة لمنظومة الطاقة السعودية، حيث إنه يدعم المنظومة بتقديمه للخدمات الاستشارية للجهات المعنية بالطاقة في المملكة، وضمن هذه الأنشطة؛ يعمل المركز على تطوير النماذج والأدوات مفتوحة المصدر يستفيد منها الباحثون والأكاديميون، وصناع القرار. ويهدف المركز إلى عمل البحوث الموضوعية في مجال الطاقة وما يتعلق بها من اقتصادات وسياسات وتقنيات، ويقدم خدمات استشارية لمنظومة الطاقة السعودية، ويعمل على تطوير النماذج والأدوات مفتوحة المصدر ذات الصلة بمواضيع الطاقة؛ وذلك لتقديم التوصيات الداعمة لصناع القرار في رسم خطط الطاقة المستقبلية. ويمتلك كابسارك عشر مبادرات، تتمثل في: تقييم مشاريع الاستثمار العام، ومستقبل النقل والطلب على الوقود، وأسواق الطاقة الإقليمية، وسياسات وحوكمة تغير المناخ، ومستقبل أسواق النفط العالمية، ومستقبل أسواق الغاز الطبيعي، وتحولات قطاع الكهرباء، ونقاط الضعف الاقتصادية والطاقية، والإنتاجية والتنوع الاقتصادي، والنماذج والأدوات والبيانات، إضافة إلى دوره القيادي فيفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وإطلاقه بالتعاون مع خمس مراكز فكرية وبحثية عالمية دليل الاقتصاد الدائري للكربون.
ويسعى كابسارك إلى التقدم في المؤشر العالمي لمراكز الأبحاث محليًا وعالميًا، وهو يضم خبراء من أكثر من عشرين جنسية، يعملون جميعًا على رسم وتطوير البرامج البحثية التي تمهد الطريق للوصول إلى أهداف رؤية السعودية 2030، كرفع تنافسية الطاقة المتجددة، وإدارة الانبعاثات الكربونية في المملكة.