أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أجل النعم التي يمنّ الله بها عليك أن يوفقك لعقيدة إسلامية صحيحة على منهج أهل السنة والجماعة تحيا عليها وتكون خاتمتك بها، ومن أشد الأمراض القلبية التي قد تهجم على المسلم وربما فتكت به (الوسواس العقدي) الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين العلاج (يأتي الشيطانُ الإنسانَ فيقولُ من خلق السمواتِ فيقولُ اللهُ، فيقولُ من خلق الأرَضِينَ فيقولُ اللهُ، حتى يقولَ من خلق اللهَ، فإذا وجد أحدُكم ذلك فَلْيَقُلْ آمنتُ باللهِ ورسولِه)، والقول هنا يحيل على واجب التسليم الاعتقادي بأن هناك أموراً توجب التسليم المطلق وعدم عرضها على العقل القاصر، وربما لا تصل بالإنسان إلى هذه الدرجة من الجرأة في طرح هذا التساؤل التشكيكي الاستفزازي العظيم نسأل الله السلامة والعافية، وإنما الشك بأي من مسلمات الدين أو أمور الغيب التي أبان الله عن حقيقتها في كتابه الكريم والعقل البشري المخلوق أعجز من سبر أغوارها وإدراك ماهيتها وتبين محدداتها ومعرفة معالمها وكنهها، وهذا النفق المظلم الذي يجعل الشبه تتراكم على هذا الإنسان جراء انسياقه وراء شياطين الإنس والجان قد تخرجه من دينه، وتفقده هويته، وتسلبه حصانته من النار لا سمح الله لسبب بسيط ولكنه قاصمة ظهر ألا وهو أنه أعطى عقله مساحة من التفكير أكثر اتساعاً مما منحه إياها خالقه الذي حدد رسالة العقل وبين واجبه وحذره من الانزلاق في دائرة التفكير في الذات الإلهية التي لها أسماء وصفات نؤمن بها ونسلم، ونمرها كما جاءت دون تكيف أو تشبيه أو تمثيل أو تعطيل وكما قال الإمام مالك رحمه الله حين سئل عن المراد في الاستواء الوارد في سبع آيات من كتاب الله عز وجل منها قوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قال: «الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب».
إن كل منا يخوض حرباً حقيقية مع الشيطان الذي طلب من الله عز وجل أن يمهله حتى قيام الساعة ووعد إن كان له ذلك أن يستولي على ذرية آدم عليه السلام ويستأصلهم ويستميلهم إلا قليلاً منها، دليل ذلك قول الله عز وجل: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}.
إن هذا الداء والتلاعب من الشيطان بالإنسان المسلم ليس جديداً في الحرب الدائرة بين الطرفين فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم (ناسٌ مِنَ الصَّحابةِ فقالُوا يا رسولَ اللهِ إنَّا نجِدُ في أنفسِنَا الشيءَ يعظمُ أنْ نتكلمَ بِهِ ما نحبُّ أنَّ لنَا الدُّنيا وأنَّا تكلَّمْنَا بها فقالَ: أَوَ قدْ وجدْتُمُوه؟ قالُوا: نعمْ، قالَ: ذاك صريحُ الإيمان).
(وجاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ إنَّ أحدَنا يجدُ في نفسِه، يعرضُ بالشيء، لأن يكونُ حممةٌ أحبَّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ) ولكن العدو اليوم تعددت وسائله وتنوعت أساليبه التي يسلكها في زرع بذور التشكيك ومن ثم سلب نعمة الهداية والاستقامة من بني الإنسان وأخطرها وأعظمها شراً في نظري (مواقع الالحاد في العالم الافتراضي) التي تريد منك أن تمنح نفسك حرية مطلقة في التفكير بكل شيء حتى تصل بك إلى أن تقودك لتطرح على نفسك ما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه، وبين طريق الخلاص، حفظ الله علينا ديننا، وختم لنا ولكم بالخاتمة الحسنة، وأماتنا على الشهادة، ووقانا شر الشيطان وحزبه وإلى لقاء والسلام.