صبحي شبانة
كما أن في التاريخ الإنساني أيامًا مجيدة خالدة، فإن فيه أيضًا رجال هم نسيج وحدهم صنعوا المجد لشعوبهم وأمتهم، أداروا عجلة الزمن إلى وجهتها الصحيحة، بعد أن سجلوا أسماءهم بأحرف من نور في متاحف الخلود لتظل نبراسًا هاديًا ومضيئًا لمن جاءوا من خلفهم، عاصمًا لهم من الزلل، أسماؤهم، إنجازاتهم، عطاءتهم، مواقفهم تظل استثناء لا يقاس عليه بفضل ما أسدوه وصنعوه وقدموه للبشرية حتى من بعد رحيلهم. الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في صدارة سجل هؤلاء الخالدين ممن اصطفاهم الله لإعادة صياغة التاريخ، وصيانة أعطاب الزمن، وإضفاء الطابع الإنساني، وبلسمة وجه الحضارة.
92 عامًا مرت على توحيد المملكة لم يتوقف فيها التاريخ للحظة حتى وهو يسجل في دواوينه قصة بطل مغوار من طراز نادر، لم يَجُد الزمان بمثيل له طيلة ألف عام ويزيد، صنع دولة، ووحد شعبًا، وطوى الصحراء، وأعاد رسم خطوط الطول والعرض للمنطقة والعالم، قدم للبشرية دولة هي أنموذج في وحدة التكوين، وقوة التأثير، وصناعة المجد. فالتاريخ يصنعه الأفذاذ، يقتفي أثرهم ويسير على نهجهم في بناء الأوطان المخلصون، فيما تحرك الأحقاد دعاة الهدم والتثبيط والغلاة والإرهاب.
اليوم الوطني للمملكة ليس يومًا عاديًا، فهو ليس مجرد يوم احتفالي يمر وينقضي، فيه سجل التاريخ ميلاد أمة تتباهي بها الأمم، صنعت الحضارة والحداثة والمدنية فوق رمال الصحاري والفيافي وعلى أنقاض الماضي، 92 عامًا ليست بالطويلة في حياة الشعوب لكنها كثيرة بمنجزاتها وبحجم ما تحقق فيها من معجزات، فلم يصلنا عبر التاريخ أن دولة واحدة حققت هذه المتوالية الهندسية من الإنجازات التراكمية، والتحولات العبقرية في تسعة عقود فقط حققت خلالها المملكة قفزات أسطورية لم يكن بوسع حالم أو متفائل أن يتصورها أو يتخيلها، فقطار التحديث والعصرنة يقوده ولي العهد ويمضي بضعف سرعتي الصوت والضوء، في ظل مجتمع شاب ناهض طامح ينشد ويتوق إلى هذا التغيير الذي يقوده حكيم العرب وزعيم الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده مهندس عصر النهضة وقائدها وفيلسوفها الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله- صاحب رؤية المملكة 2030 الذي أدرك مبكراً أن ثورة التحديث لا بد وحتماً أن تأتي على أنقاض ركام الماضي، وأن المستقبل يلزمه عقول أكثر تحرراً وانفتاحاً وإلماماً بمعطيات العصر وتقنياته وأدواته.
اليوم الوطني ليس يومًا مجيدًا للمملكة العربية السعودية فحسب، بل ينبغي أن يكون يومًا للبشرية جميعها، فلم تسجل لنا كتب التاريخ أن هناك دولة ما غير المملكة بسطت خيراتها، وفتحت أبواب مطاراتها للجميع بلا استثناء بصرف النظر عن العرق والجنس والدين لا فرق، فالعالم يرفل في عز المملكة وسؤددها، تعيش البشرية في ظل حقبة سعودية ممتدة لعقود طويلة، ومن لم يدرك ذلك حتى الآن عليه أن يعود لبضعة أشهر قليلة إلى الوراء لينظر كيف كان حال الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء زيارته إلى جدة وهو يجلس في مواجهة أمير العرب، ومن ما زال يجهل ذلك عليه أن يستعين بخبراء في قراءة لغة الجسد ومتخصصي علم النفس، فإرهاصات الذبول والصعود، الضعف والقوة، التواري والصدارة جميعها كانت بادية لا تخطئها عين، رئيس هرم في قبالة زعيم شاب، إمبراطورية تغرب لا تقوى حتى على لملمة أطرافها في مواجهة دولة فتية قوية تتحكم في نفط العالم وشرايينه.
اليوم الوطني هو يوم من أيام التاريخ التي امتدت آثاره لتعم الإنسانية خيراً وعزاً ورخاء 92 عاماً مرت على توحيد المملكة وهي تسهم في صناعة مستقبل البشرية، وتصحيح مسارات أجيالها، لم تكن الحياة قبل تسعة عقود في هذه المنطقة المباركة من العالم توحي بما هو واقع معاش ومعاصر الآن، كانت أراضًا جدباء، صحراء قائظه، قبائل متناحرة، لا تجتمع إلا على التقاتل، البدائية والبداوة سائدة، ماذا جرى؟، وما الذي يجري؟، جيل يسلم جيلاً، التفاني والإنجاز تلو الإنجاز، وتحقيق المستحيل هي العناوين الأبرز في هذه البلاد التي تقود العالم بالعدل والحق إلى مساراته الصحيحة بعد أن ارهقته الصراعات، وبدد الاستغلال والحروب ثرواته، فالتاريخ يعيد بناء نفسه والزمن يحكم قبضته.