م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - لا شك أن التعليم وحده لا ينشئ حضارة ولكنه يكرس واقعاً.. فإنشاء حضارة يعني تغيير اتجاه الثقافة في ذلك المجتمع الذي ينشد الصعود الحضاري.. والذي تحقق للمجتمع السعودي حتى اليوم على يدي (الأمير محمد بن سلمان) هو أنه أطلق المجتمع من إسار الصحوة وقال لأفراده: اذهبوا فأنتم الطلقاء؛ فكروا وافرحوا واعملوا وأبدعوا.
2 - السعوديون كانوا في انتظار اللحظة التاريخية؛ لحظة الزلزال الذي يقلب المجتمع رأساً على عقب، والذي يُحْدث التغيير الجذري، ويصحح المفاهيم، ويُعَدِّل القيم، ويزيل غشاوة التعاليم المتوارثة عن عيون أفراد المجتمع، ويحميه من الجمود الاجتماعي.. فلن يكون الفكاك من الانغلاق الفكري الذي عشناه ألف سنة وتم ترسيخه بقوة إبان مرحلة الصحوة أمراً سهلاً.. لكن من حظنا أن يأتي التنوير من أعلى قمة الهرم وإلا لاستغرقنا عقودًا للخروج من هذا النفق.
3 - الحقيقة أن أمام قائد التنوير في المملكة مهمة شرسة أكثر منها صعبة.. والشراسة فيها أن المقاومة للتنوير مصدرها ثقافي، فأفراد المجتمع تربوا على رفض التغيير.. والمقاومون يضيفون إلى متاريس مقاومتهم حصوناً إضافية كلما تقدم الزمن.. الأخطر من هذا أن هؤلاء الرافضين للتنوير ينطلقون في مقاوماتهم ورفضهم من منطلقات شعبوية.. وأدَّعوا أن أي تجديد في الثقافة المجتمعية هو محاولة لهدم الدين.. وأشاعوا أن ثقافتنا المجتمعية في منتهى الاكتمال وأنها مكتفية بذاتها وبالتالي رفض كل الأفكار المغايرة، خصوصاً إذا كان مصدرها الغرب.
4 - منذ مطلع القرن الحادي والعشرين ونحن نعي على المستويين الرسمي والمجتمعي أن التشدد الفكري تحول إلى جاثوم يخنق المجتمع وسوف يخنق الدولة.. فكثر الحديث وكثرت اللقاءات وكثرت النقاشات والجدالات، وكلها لم تؤدِ إلا إلى المزيد من الحيرة.. ولم تكن الحيرة في الحوارات على صحة التنوير وخطأ التشدد فهذا متفق عليه، لكن كان جل تلك الحوارات والأحاديث يتمحور حول: كيف يمكن البدء في تنوير المجتمع دون استفزازه حتى لا يثور بعنف وتصبح النتائج وخيمة؟ فإذا كان المتشددون يتعاملون بعنف مع المختلف عنهم مذهبًا وفكرًا فماذا سيفعلون بمن يدعو إلى تغيير منهجهم وتفكيكه؟! خصوصًا أن الانطباع العام كان أن أغلبية أفراد المجتمع يقتفون فكر التشدد.. فكانت الحوارات تتركز حول: كيف يمكن التغيير بطريقة مخملية هادئة طويلة النَّفَس حتى لو استغرق الأمر عقوداً؟
5 - استغرقت تلك الحوارات والنقاشات خمس عشرة سنة.. وكان أغلبها خلف أبواب مغلقة بعيداً عن الإعلام، ويتم من خلالها استخدام أرقى وأكثر الكلمات حذراً.. ولم تؤدِ النتائج سوى إلى المزيد من الحيرة والاستسلام للقدر المحتوم.. ثم أتى قائد التنوير عام (2016م) وفي غصون أسبوعين أنهى كل المشكلة! إنه أمر لا يصدق! هل كنا فيما سبق واهمين أم جبناء أم كلاهما معًا؟
6 - التغيير لا يتحقق بالأفكار وحدها، التغيير لا يحدث إلا بقرار.