أ.د.عثمان بن صالح العامر
إن من الخلل قصر مفهوم التربية على التربية الجسدية البيولوجية، والدينية التعبدية، والعاطفية النفسية، والعلاقات المجتمعية، أو حتى الفكرية العلمية، إذ هو مفهوم واسع يتضمن فضلاً عما ورد أعلاه التربية السياسية والتربية الاقتصادية والجمالية والترويحية و... ومهما قيل عن مؤسسة التنشئة الاجتماعية ودورها التربوي والقيمي فإن معظم علماء النفس والتربية وقبلهم علماء الشريعة يتفقون على أن الأسرة هي العمود الفقري في التربية، والوحدة الأساس في بناء شخصية الأبناء والبنات، وأهم مؤسسات المجتمع التي يقع على عاتقها غرس القيم أياً كانت في الأولاد منذ الصغر.
والاقتصاد كما هو معلوم عصب الحياة، وعنوان القوة، المحبب للنفس البشرية والمزين لها فطرة لا اكتساباً، ومع ذلك ورغم أهميته فإن كثيراً من الأسر للأسف الشديد لا تكترث بدورها التربوي في بناء شخصية أفرادها اقتصادياً، وربما تجهل هذا الدور، ولذا فلا غرابة أن نرى سلوكيات اقتصادية سلبية عديدة لدى أبناء الجيل، سواء أكان ذلك حين الإنفاق الاستهلاكي، أو الاستثمار الإنتاجي، أو الادخار الاحتياطي، وهذا إن كان الحديث عنه في السابق من باب السنة (مجازاً) فهو اليوم واجب على الكتاب والمثقفين والمصلحين عامة والاقتصاديين ورجال الأعمال خاصة ليس فقط لتربية الشباب والفتيات بل قبل هذا وهذه تربية الأسرة السعودية بجميع أفرادها تربية اقتصادية، وعقد دورات تدريبية مكثفة تعطيهم أسس التعامل الصحيح مع المال (استهلاكاً واستثماراً وادخاراً) وترشدهم إلى كيفية إدارة ميزانية الأسرة، وتقنين مصاريف المنزل، (المصروفات في مقابل الإيرادات الشهرية ) حتى يصبح كل منا متمثلاً في سلوكه الاقتصادي المنهج الرباني الخالد (وكان بين ذلك قواما).
إن هذه التربية توجه سلوك الفرد ليلتزم بقواعد الكسب الحلال والإنفاق المتزن والإنماء الرشيد بعيداً عن الإسراف الممقوت والتقتير المرفوض، كما أنها توعيه بالقضايا والمشكلات الاقتصادية التي تفرضها عليه جراء انتمائه لهذا العصر المعطيات العالمية والظروف الدولية والتحولات الداخلية، وحتى يعيش اليوم بعقلية الأخذ والعطاء، كما أن التربية الاقتصادية تهدف إلى تحقيق النمو في القدرات المهنية المهارية والفكرية ذات البعد الاقتصادي للأسرة السعودية.
لابد أن نعترف أن لدينا خللاً في تربيتنا الاقتصادية، وأننا لم نستطع حتى الآن التكيف الأمثل مع عصرنا الاقتصادي، وأن لدى أبنائنا ضعفاً في المهارات الاقتصادية، ومتى كان منا وضع يدنا على مكمن الداء واستطعنا تحديد المشكلة فإننا قطعنا نصف المسافة، وبقي النصف الآخر الذي هو أشد وأشق على النفس البشرية ألا وهو تغيير العادات الاقتصادية التي تشربناها زمناً طويلاً حتى صرنا نصرف ما في الجيب قبل نصف الشهر وتتراكم علينا الديون دون أن يكون مقابلها أصول استثمارية وإنما مجرد استهلاك في شراء سلع ليست ضرورية ولا حتى حاجيه بل هي تصنف في خانة الكماليات، والدَّينُ -كما قيل- همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار، تعوذ من (غلبته) رسول الله صلى الله عليه وسلم، رزقنا الله وإياكم المال الحلال، ومنّ على ذرياتنا التربية الاقتصادية الرشيدة، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.