ميسون أبو بكر
نساء قليلات في تاريخ العالم من تركن أثراً وحضوراً سواء أثناء حياتهنّ أو بعد رحيلهن؛ ومعظم القصص والحكايات عن نساء خالدات لعلها كانت أساطير أكثر منها واقعا ليس لعدم وجود أمثلة تليق بالذكر والحضور بل من وجهة نظري لأن العالم كان ذكوريّا بامتياز ولم تتح الفرص للنساء اللاتي كن مثقلات في حمل أعباء أسرهن وأسيرات لعادات وثقافات ألبستهنّ أصفادا موجعة لم تتخلص معظمهن من ثقلها.
الملكة اليزابيث الثانية ملأت الدنيا حضوراً ولم يأفل نجمها برحيلها بل شهدنا الأيام الماضية مراسم وداع امتدت لأيام بشوارع محتشدة بالشعب البريطاني ومراسم تأبين عالمية قدمت مواكبها من كل أنحاء العالم؛ لتشارك في تشييع الملكة الراحلة التي كان يتجدد أملنا بحياة طويلة لها كلما شاهدنا أناقتها وحضورها في المناسبات التي كانت تظهر فيها وتتناقلها ليس فقط وسائل الإعلام البريطانية بل العالمية كونها الحدث الأهم.
المرأة التي مرت بها حروب عالمية وأزمات دولية وكانت المرأة التي لا تقهر فإن وجود الملكة اليزابيث كامرأة استثنائية في الحكم هو الذي أطال عمر الملكية الدستورية البريطانية وأنعم على البلاد بالاستقرار، وقد حرصت فترة حكمها على عدم التدخل في القرارات الوزارية ولو أن الأمر لا يخلو من توجيه دفة بعض الأمور بيد خفية ربما حين كانت تتعلق بالأسرة الحاكمة وسمعتها وإن انتفت صلتها بها من قريب أو بعيد.
فرغم رحيل ملكة القلوب ديانا وما شاب رحيلها من اتهامات للملكة ومن حزن شديد للشعب البريطاني والناس حول العالم الذين أسرتهم الأميرة الجميلة وأحزنهم رحيلها بالطريقة المفاجئة والأليمة التي رحلت بها؛ إلا أنه بقيت للملكة اليزابيث عظمتها في قلوب شعبها الذي شيّعها بحزن وسار آلاف مؤلفة في شوارع لندن بين شواهد تاريخها وعظمة المدينة العريقة وراء نعشها لمثواها الأخير.
الوفود التي قدمت اعتبرت من أكبر الوفود العالمية التي شيعت نعش الملكة التي ظلت محفوفة بالبروتوكولات الملكية والأسطورية ومواكب الخيل وتيجان الذهب والماس والأحجار النادرة والتصاميم الفريدة الآتية من عصور مضت طيلة حياتها.
المرأة التي كانت ملكة لأربع عشرة دولة من مجموع ثلاث وخمسين من دول الكومنولث حتى وفاتها التي مر عليها عقود وأزمات وحروب وأفراح وأحزان؛ رحلت ملكة غير عادية لتظل محفوفة بهذه العظمة التي واكبتها وقت حياتها.
وبقيت الأنظار تشرئب إليها وإلى كل تفاصيل حياتها وأناقتها ومشاركتها في التقاليد الأسرية للعائلة المالكة وظلت كل حركة وكل ابتسامة وكل نظرة لها تحت المجهر وقيد التحليل لقراءة أعماق الملكة.
لفظت الملكة أنفاسها في مقر إقامتها في بالمورال باسكوتلندا حيث قضت الصيف هناك، وقد ودعها الملك تشارلز بكلمات حزينة أختم بها مقالي «إن لحظة وفاة والدتي الحبيبة جلالة الملكة من أكثر اللحظات حزنا لي ولكل أعضاء عائلتي، وإن رحيلها سيترك شعوراً عميقاً بالحزن حول العالم».