رمضان جريدي العنزي
ديننا الإسلامي الحنيف حرّم الاعتداء على النفس بغير حق، وأوجب صيانة النفس، والمحافظة على الأرواح والدماء، والابتعاد عن الضغائن والأحقاد التي تثيرها هذه الأفعال، وبيّن عقوبة كل من يعتدي على أخيه المسلم، وغلظ العقوبة بذلك، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، وأبان جل في علاه أن من حق أولياء الدم طلب القصاص من القاتل، وهو حق مشروع لا غبار ولا خلاف عليه، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، وخيرهم بين القصاص وطلب الدية أو العفو، قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}، وقال تعالى في ثواب العفو {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
وعلى الرغم من حرص ديننا الإسلامي الحنيف على العفو والحث عليه، إلا أن كثيراً من أولياء الدم في وقتنا الحالي أصبح همهم الأكبر وغايتهم القصوى ومرادهم الأهم هو الحصول على دية كبرى ومبالغ طائلة، لا يتحملها القاتل ولا أهله ولا جماعته المقربون منه، وأصبح الأمر وكأنه تجارة رابحة، من حق أولياء الأمر المطالبة بالمبلغ الذي يريدون، لكن هذه المبالغ الطائلة أصبحت تكلف القاتل وجماعته ما لا يطيقون، إن مبالغ التعويضات تتنافى مع مقاصد الشرع، بل تحولت لأبشع أنواع التجارة، والطمع بالمال، لأن هذه المبالغ الكبيرة والطائلة مرفوضة شرعاً وعقلاً، بعد أن خرجت عن المعقول والمألوف، بل وتضخمت بشكل لا يطاق، لقد أصبحت هذه المبالغ هاجساً يؤرق الجميع ويصيبهم بالدهشة، وفيها مغالاة وطمع وتشدد، إنه وبناءً على ذلك وبعد أن استفحلت الأزمة، كبرت وتشعبت، وعانى الناس من المشقة التي يكابدونها في سبيل توفير مبالغ الديات، لا بد من وضع ضوابط ملزمة للجميع وتحديد سقف أعلى للدية لا يتجاوز الخمسة ملايين ريال فقط.
إن تكامل الأدوار بين أفراد المجتمع، وتكثيف التنوير في وسائل التواصل الإعلامي بكافة أنواعها، والحث على ذلك، يؤدي لنتيجة إيجابية ويحل هذه المعضلة الشاقة والكبيرة، إن قيمنا الإسلامية، وعاداتنا الحميدة، التي تدعو للعفو والصفح عند المقدرة، وإصلاح ذات البين، يجب أن تفعل بشكل ملفت، إن على الدولة أعزها الله وحماها دوراً كبيراً في سن القوانين الملزمة الصارمة، ووضع حد لتلك الظاهرة المؤسفة، والتي تحولت لتجارة بائنة، وكذلك إيقاف السماسرة الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية الضيقة، والضرب بيد من حديد عليهم بلا شفقة ولا رحمة، كونهم يزيدون الجرح جراحاً ودمامل، ويصيبون الناس بمعاناة وضيق.
إن المعاناة صارت أكبر من احتمال الصبر، وغض الطرف والتغاضي، وعلى الجميع دولة ومجتمعاً وعلماء ومشرعين وأهل فكر ورأي وشيوخ قبائل ومعرفين وعمداً، إيجاد الحلول السريعة، وإيقاف هذا الجنون الكبير، وكبح الجماح في هذا الشأن، بما يحقق مصلحة الناس، ودفع المفسدة، وإيقاف هذه التصرفات الخاطئة.