لقد شهدت المملكة العربية السعودية إنجازات مميزة وثمرات جهود رؤية 2030، والتي منذ انطلاقها في عام 2016 بدأت المملكة بالسير نحو آفاق جديدة ومناطق طموح واعدة، مرتكزة على مكامن قوتها التي حباها الله، من موقع استراتيجي متميز، واقتصاد قوي متين، وعمق عربي وإسلامي، لتُسخِّر كل هذه الإمكانات لتحقيق الطموحات.
ومن منطلق أن لكل أمة عظيمة ذاكرة تحفظ تاريخها، أصبح الثالث والعشرون من سبتمبر من كل عام تاريخًا يحتفي به وطننا الغالي بتوحيد راية البلاد، وتسميتها بـ(المملكة العربية السعودية).
تاريخ يعود للأمر الملكي الذي أصدره المؤسس الراحل عبدالعزيز آل سعود بتوحيدها اعتبارًا من الخميس من 21 جمادى الأولى 1351هـ، الموافق 23 سبتمبر 1932م، ليصبح «اليوم الوطني» للمملكة منذ ذلك الحين.
وخلال الـ92 عاماً، حظيت المملكة بالتطور والازدهار دائمًا بقيادة ملوكها في السابق والحاضر، ولا سيما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، فقبل 8 أعوام، وفي اليوم الثالث من شهر ربيع الآخر من عام 1436هـ، تلقّى الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حينما كان ولياً للعهد- البيعة ملكاً على البلاد وفق النظام الأساسي للحكم، ليكون سابع ملوك السعودية، ولتبدأ البلاد عهدًا جديدًا من البناء والتطوير في المجالات كافةً.
فقد أخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على عاتقه مهمة إكمال مسيرة تنموية متوازنة ومتجددة، ساعيًا إلى رقي المملكة وتقدمها، سواء في الأمور الداخلية أو الخارجية، وكان الشعار «حزم وبناء»، كما كان لافتاً -بشكل كبير جداً- أن المملكة في عهد الملك سلمان، حققت نجاحًا مبهرًا في التصدي للإرهاب وترسيخ منهج الاعتدال.
وهذا النجاح جاء من خلال خطة أمنية شاملة ضمت في جنباتها مواجهة عمليات ترويج المخدرات، وتمويل الإرهاب وإحباطها، وتجفيف منابع دعم الأنشطة الإجرامية من خلال جهود استباقية واستعدادات أمنية قوية وتمويلها، ممكناً أجهزة الأمن من أداء رسالتها الأمنية والمحافظة على ما تنعم به هذه البلاد من أمن واستقرار ورفاه وازدهار، مما جعل الجميع يفخر بهذه الجهود التي كان لها عظيم الأثر بالمملكة وبقاع العالم الإسلامي كافة، والعالم أجمع.
فضلاً عن أن المملكة قد حققت العديد من الإنجازات العظيمة التي جعلت تمكين المواطن محورًا أساسيًا لها، كإعلان المشروعات العملاقة، إلى الجهود الاستثنائية في التنمية المستدامة، حيث التزمت المملكة بتحقيق أهدافها السبعة عشرة، وقد ترجّم هذا الالتزام النجاح الملحوظ الذي حققته المملكة على امتداد مسيرتها التنموية على مدى العقود القليلة الماضية الذي تبرزه العديد من المؤشرات ذات الصلة بالوضع الصحي والتعليمي والبيئي والبنية التحتية وغيرها من المجالات.
كما أن للمملكة جهودًا مستمرة لمكافحة الفقر على الصعيدين المحلي والدولي، نابعةً من شعورها بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، إذ أسهمت في تأسيس منظومة لمحاربة الفقر تندرج تحتها عدد من المبادرات والمشاريع، ومن أهمها: «برنامج حساب المواطن الذي يهدف إلى تخفيف العبء على المواطن السعودي، دعم الجمعيات الخيرية ومشاريع الإسكان ورفع مخصصات الأرامل والأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى تقديم دعم مادي للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط داخل المملكة».
كما احتل التعليم النصيب الأكبر من الميزانية العامة للدولة، تأكيدًا على التزاماته المحلية والإقليمية والدولية تجاه توفير حق التعليم للجميع وجودته وتميز مخرجاته كأحد أهم مرتكزات التنمية المستدامة، وذلك من خلال إحداث تغير نوعي في هيكلة مؤسساته وإدارته.
اهتمت المملكة بتعزيز مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال مكافحة الفساد في شتى المجالات، ومكافحة جميع أشكال العنف وسوء المعاملة، خصوصًا العنف ضد الأطفال، بإطلاق عدد من المبادرات لأجل السلام والعدالة والمؤسسات القوية، ومن أهمها: «تدشين لجنة مكافحة الفساد، مصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الطفل، إنشاء المركز الإستراتيجي لأبحاث مكافحة الجريمة».
وتُعد جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مهندس الرؤية وقائد التحالفات، وخطواته بمنزلة قفزات لم يعد يستغربها السعوديون لقائد يركض كل يوم وفي كل الميادين، يحقق رؤية الوطن الطموحة على خطى ثابتة ليثبت لنا وللعالم أجمع أنه رجل الإنجازات التي لا حصر لها بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين.
فضلاً عن أن المملكة أولت اهتمامًا كبيرًا بالبنى التحتية والرقمية، مع دعمها للابتكار والصناعات المحلية والأبحاث والتقنية، مظهرةً هذا الاهتمام في مبادرات عدة منها: «المبادرة الوطنية للابتكار، مشروع النقل العام بمدينة الرياض بطاقة استيعابية قصوى تبلغ 5.4 مليون راكب يومي، إنفاق ما يزيد على 500 مليون ريال سعودي على الأبحاث العلمية».
فمنذ إطلاق رؤية المملكة 2030 في عام 2016، بذلت المملكة جهوداً كبيرة لحماية البيئة وتقليل آثار التغير المناخي، وتحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستساهم كل من مبادرة «السعودية الخضراء»، ومبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» اليوم بتعزيز هذه الجهود من خلال توحيد جميع الخطط الرامية إلى تحقيق الاستدامة في المملكة.
فلقد كشف منتدى مبادرة السعودية الخضراء، الذي عُقد في أكتوبر 2021، عن حزمة أولى تزيد على 60 مبادرة ومشروعًا جديدًا في إطار مبادرة السعودية الخضراء -تصل قيمة الاستثمارات فيها إلى أكثر من 700 مليار ريال سعودي- للمساهمة في تنمية الاقتصاد الأخضر، حيث تجمع مبادرة السعودية الخضراء بين حماية البيئة، تحويل الطاقة، وبرامج الاستدامة لتحقيق ثلاثة أهداف شاملة، وهي: «تقليل الانبعاثات الكربونية، تشجير السعودية، حماية المناطق البرية والبحرية»، وذلك من خلال نهج يشمل جميع فئات المجتمع، عاملةً بشكلٍ وثيق مع الهيئات والمنظمات لزيادة تأثير وفاعلية إجراءاتها الحالية في العمل المناخي، وخلق فرص للقيام بمبادرات جديدة.
في حين أن مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» تُؤكد على التزام المملكة العربية السعودية بجهود الاستدامة الدولية، وإسهاماتها في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض من خلال وضع خارطة طريق طموحة ذات معالم واضحة تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية، ويُعزز ذلك إنشاء عدد من المشاريع الفرعية، من أهمها: «إطلاق منصة تعاونية لتسريع تنفيذ مفاهيم الاقتصاد الدائري للكربون، تأسيس صندوق استثمار إقليمي مخصص لتمويل الحلول التقنية للاقتصاد الدائري للكربون، إنشاء عدد من المراكز الإقليمية لأغراض مختلفة، مثل: «التنمية المستدامة لمصايد الأسماك، للتغير المناخي، وأخيرًا للإنذار المبكر بالعواصف».
كما حرص سموه على رسم رؤية لاقتصاد يعتمد على موارد غير النفط، وهذا ما أكدت عليه رؤية المملكة 2030 من خلال التنوع في مصادر الطاقة، مثل: الطاقة المتجددة والبديلة، وذلك بإنتاج 5.3 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، وإنتاج 5.9 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتشمل 3 مشاريع: الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والطاقة الشمسية المركزة، وطاقة الرياح، وكذلك من خلال إطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، والذي يتضمن بدوره عدد من المشاريع والمبادرات، كـ:» مبادرة مهمة الابتكار، مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، مشروع سكاكا لطاقة الرياح، انضمام المملكة لاتفاقيات التغير المناخي».
وحري بنا أن نُفاخِر المملكة بأوفى شعب، جنود بواسل تفدي الوطن وتحميه، يقفون كالبنيان المرصوص سداً في وجه الطامعين والحاقدين، ساعين لتحقيق رؤية 2030 التي تُنير الطريق لمسيرة التحول نحو مستقبل مليء بالفرص بفضل تكامل الأدوار وتناغمها بين المواطنين والقطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، وقيام كل بمسؤولياته تجاه وطنه ومجتمعه، لنقترب أكثر وأكثر بخطى واثقة نحو تحقيق رؤيتنا.
** **
- د. ثنيان بن عبدالله النويعم