النظام الدولي الجديد والقضايا الاستراتيجية المعاصرة ومن أهمها استراتيجية الردع النووي والدور الذي لا يزال يلعبه السلاح النووي للحفاظ على مصالح الدول النووية وتعزيز الأهداف الاستراتيجية للدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين ومجموعة الدول الناشئة الأخرى كالهند وباكستان هو موضوع كتاب «لماذا الردع من تأليف نيكولاس روش (صدر عن دار نشر PUF الفرنسية)».
يمهّد المؤلف في مقدمة الكتاب لبعض المفاهيم التي تم صياغتها في عصر الحرب الباردة والتي تُتيح للقارئ فهم البيئة الاستراتيجية الحالية: التصعيد والردع والإجراء الانتقامي المتدرِّج والمصالح الحيوية وعدم تماثل المصالح أثناء الصراع والحرب المحدودة ونظريات النصر. تطرح مقدمة الكتاب توصيفا لتطور التوازنات في آسيا والدوافع العميقة للتحولات المعاصرة التي ترسم العلاقة مع روسيا. مقدمة الكتاب تتناول بالدراسة دولتين اثنتين: الدولة الأولى سوريا حيث يستعرض المؤلف إشكالية الأزمة الكيميائية ويذكر على وجه الخصوص البرنامج الكيماوي السوري والهجوم الذي تعرضت له سوريا في 21 أغسطس 2013 ونتائج الأزمة السورية على آسيا. أما الدولة الثانية، فهي أوكرانيا ومن خلالها يستعرض المؤلف أبعاد الأزمة النووية واحتمال تحول مفاعلاتها النووية إلى أهداف عسكرية والتداعيات المترتبة على الردع النووي في أوروبا ومدي امكانية نزع السلاح النووي والحد من انتشار الأسلحة النووية.
يشتمل الكتاب على أربعة أجزاء. الجزء الأول يستعرض فيه المؤلف النموذج الفرنسي النووي وخلاصة ما اشتمل عليه الكتاب الأبيض لعام 1972، حيث تم التركيز على سياسة الدفاع الفرنسية التي بدأت في الستينيات والتي ترتكز على قضية الردع، والكتاب الأبيض لعام 1994، الذي يتناول مفهومي التوقع والتدخل حيث بات من الضروري العمل على تشكيل وحدة التدخل والانتشار السريع للحيلولة دون تقدم حلف وارسو على الأراضي الألمانية، والكتاب الأبيض لعام 1994، الذي يتناول الاستراتيجية العسكرية والامكانيات اللازمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال اتاحة الفرصة للقوات المسلحة بإدارة الأزمات على المدى الطويل بما يضمن استقلال فرنسا الوطني واستقلالها الاستراتيجي، والكتاب الأبيض لعام 2008 الذي يسلّط الضوء على زيادة الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم. يتناول الجزء الأول من هذا الكتاب اشكالية العولمة (انعدام المساواة الاقتصادية والانتشار النووي والكيماوي والبيولوجي والتجسس والهجمات الكبرى ضد أنظمة المعلومات) وإشكالية الأمن القومي (إطلاق الغواصة النووية Le Terrible في مارس 2008). في حين أن الكتاب الأبيض لعام 2013 يتبنى نفس التوجهات الرئيسية التي وردت في الكتاب الأبيض لعام 2008 حيث يتم التأكيد على حماية التراب الوطني والمواطنين الفرنسيين وضمان أمن أوروبا ومنطقة شمال الأطلسي والتعاون مع الشركاء الأوروبيين والحلفاء وتحقيق الاستقرار في دول المجاورة لأوروبا ومقاومة التهديدات القادمة من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي واحترام الاتفاقيات الدفاعية التي وقعتها فرنسا وحماية مصالح فرنسا الأمنية والاستراتيجية والمساهمة في السلم والأمن الدولي في العالم ولا سيما في المحيط الهندي وآسيا وأمريكا الجنوبية. أيضا يستعرض الجزء الأول السياسات الدفاعية الحالية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ففي حين تتميز الولايات المتحدة بتفوقها العسكري التقليدي، تتميز روسيا بمركزية الواقع النووي. كما يتناول الجزء الأول البرنامج النووي الفرنسي منذ (1900-1945) مرورا بالبرنامج النووي (1945-1952) ومجمل القرارات السياسية ذات الشأن (1954-1958) وبداية الجمهورية الخامسة (1958-1960) وأول اختبار نووي تم في عام 1960 وتأسيس القوات النووية التكتيكية وتطور العقائد الاستراتيجية في فرنسا وفي حلف شمال الأطلسي وتنمية قدرات الترسانة الاستراتيجية.
الجزء الثاني من كتاب «لماذا الردع» يستعرض القواعد المختصرة للردع من حيث البيانات التقنية الرئيسية لمنظومة الدفاع النووي ومبادئ تشغيل السلاح النووي والنواقل المختلفة لبرنامج الدفع النووي. يتناول هذا الباب بالتفصيل المفاهيم الأساسية للردع وبعض سيناريوهات الصراع النووي. يقودنا هذا الاستعراض الى حديث المؤلف عن المقارنة بين الولايات المتحدة وروسيا من حيث سباق التسلح في الفترة من 1945-1972 والتفوق النووي الأمريكي وبداية الحرب الباردة: 1945-1953 وسباق التسلح النووي والتطورات المذهبية في فترة الخمسينيات وتطور العقيدة النووية السوفيتية في الستينيات. يستعرض هذا الجزء مبادرات الحد من الأسلحة الاستراتيجية: SALT I و SALT II على الرغم من استمرار المنافسة التكنولوجية والعسكرية، كما أنه يستعرض سباق التسلح النووي والتقليدي في عهد الرئيس الأمريكي ريغان ونهاية الحرب الباردة: 1985-1991 وحقبة ما بعد الحرب الباردة ونزع السلاح النووي والمنافسة الاستراتيجية بين عامي 1992-2014 وكيفية التعامل مع نهاية حقبة الاتحاد السوفياتي والتطورات العقائدية والقدرات الاستراتيجية للولايات المتحدة وتطور الاستراتيجية النووية الروسية منذ عام 1991. أيضا يستعرض الجزء الثاني من هذا كتاب معاهدة عدم الانتشار النووي ونزع السلاح النووي والضوابط التي تتبناها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعزيز الاستخدامات المدنية ومراقبة الصادرات ومكافحة الانتشار النووي ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ومعاهدة حظر إنتاج المواد الانشطارية للأسلحة.
الجزء الثالث من هذا الكتاب يتناول قضية التوازنات الإقليمية النووية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وفي في كل من الهند وباكستان والصين وكوريا الشمالية، كما يستعرض هذا الجزء المساعي الدبلوماسية لاتفاقية نزع السلاح النووي وسيناريوهات الصراع والتوازنات الاستراتيجية في آسيا والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا والمصالح الأمنية لأوروبا والأزمة النووية الإيرانية وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والتحديات الدولية السياسية والأمنية الناتجة عن البرنامج النووي الإيراني ونظام حظر انتشار الأسلحة النووية والأمن الإقليمي والأمن في أوروبا ومبادرات الحل التفاوضي مع ايران انطلاقا من المبادرة الأوروبية في عام 2003 التي تطالبها بتعليق أنشطة الوقود النووي وصولا الى مرحلة أخرى من المفاوضات في عام 2013 من أجل إبرام اتفاق شامل حول المسألة النووية.
الجزء الرابع من هذا الكتاب يستعرض القدرات العسكرية الأخرى كالأسلحة الكيماوية والبيولوجية وأسلحة الدمار الشامل والحظر الشامل للأسلحة الكيميائية بالإضافة الى استعراض عدد من الأزمات الكيميائية المعاصرة مثل أزمة العراق وسوريا وأنظمة الدفاع المضاد للصواريخ والعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط ومنظومة الدفاع السيبراني.
خاتمة الكتاب تتناول الإشكالية التي تتعلق بالقانون والأخلاق، كما أنها تطرح سؤالا حول الردع النووي غير الأخلاقي والسلاح النووي غير شرعي. تستعرض الخاتمة مفهوم الحرب العادلة واختفاء التهديد الشمولي السوفييتي وعلاقة السياق الاستراتيجي بالأخلاق.
** **
- أيمن منير