عبدالرحمن الحبيب
مع تغير قواعد مكان العمل، وزيادة العمل عن بُعد إثر جائحة كورونا، يستمر النقاش حول مزايا العمل في الموقع والعمل من المنزل أو الخلط بينها، وينطلق منها موضوع أهمية العلاقات بين زملاء العمل.. ورغم أنه لا جديد فيما أثبتته الدراسات من أن وجود علاقات جيدة بين زملاء العمل يعد من أهم عوامل نجاح المنشأة، فإن بيانات مؤسسة غالوب للتحليلات والاستشارات تقول: قد تفاجئك نتيجة مهمة في بحثنا على مر السنين فيما يخص وجود صديق مقرب في العمل: الموظفون الذين يقولون إن لديهم صديقاً مقرباً في العمل يتفوقون باستمرار على أولئك الذين ليس لديهم أصدقاء، ويصنفون وظائفهم بدرجة أعلى.. وقد ظهر أن وجود صديق مقرب في العمل أصبح أكثر أهمية منذ بداية وباء كورونا، حتى مع الأخذ في الاعتبار الزيادة الهائلة في العمل عن بُعد..
خلاصة دراسة غالوب أن الأصدقاء المقربين في العمل يقدمون الدعم الاجتماعي والعاطفي الأساسي، وإن وجود أفضل صديق في العمل يرتبط الآن بقوة أكبر بالإنتاجية وبنتائج الأعمال الرئيسية بما في ذلك الربحية والأمان وتذكر الأعمال، وعلى قادة الأعمال اتخاذ بعض الإجراءات المقترحة لتعزيز الصداقات في مكان العمل. لسوء الحظ، يواجه القادة تحديات كبيرة في دعم الروابط والصداقات بين القوى العاملة البعيدة جسديًا، فمثلاً في الولايات المتحدة، يبلغ اثنان فقط من كل 10 موظفين عن وجود صديق مقرب في العمل.
يذكر التقرير أن هناك عدة عوامل وراء الأهمية المتزايدة لوجود صديق مقرب في العمل؛ إذ إن الوباء أدخل العديد من الموظفين في تجارب مؤلمة وصعوبات عميقة، خاصة بالنسبة للرعاية الصحية وغيرها، خصوصا العاملين في الخطوط الأمامية والمعلمين. وجد هؤلاء الموظفون أن الدعم الاجتماعي والعاطفي من أصدقائهم المقربين في العمل أكثر أهمية من أي وقت مضى لتجاوز هذه الأوقات الصعبة.. فقد وجد الموظفون الذين تم إلقاؤهم فجأة في عالم العمل عن بُعد أن أفضل أصدقائهم في العمل ساعدوهم على الاطلاع واتصالهم بفريقهم. على سبيل المثال، يمكن للموظف أن يسأل صديقه المقرب في العمل أسئلة «غبية» حول التغييرات في كيفية إنجاز الأمور، دون خشية من الإحراج.
بالمقابل، أصبح الموظفون الذين ليس لديهم أصدقاء مقربون في العمل أكثر عزلة أثناء الوباء.. ولأنهم يفتقرون إلى التعاون والشعور بالمسؤولية تجاه أفضل صديق في العمل، فقد يكون أداؤهم منخفضاً أيضًا. بينما الموظفون الذين لديهم أصدقاء مقربون في العمل لديهم فرصة أكبر في: إشراك العملاء والشركاء الداخليين، وإنجاز المزيد في وقت أقل؛ ودعم سلامة مكان العمل مع عدد أقل من الحوادث والمخاوف المتعلقة بالموثوقية؛ إضافة إلى الابتكار وتبادل الأفكار، والاستمتاع أثناء العمل. كما تُظهر النتائج التي توصل إليها غالوب أن الصديق المقرب في العمل هو شخص يساندك ويهتم بك بصدق، مما يعمل على تعميق شعور الموظفين بملكية عملهم وتمكينهم من أن يكونوا أكثر فاعلية واستدامة، بغض النظر عن مكان وزمان عملهم.
وهنا تطرح غالوب استراتيجيات تساعد في الترويج لأفضل الأصدقاء في العمل الحضوري أو عن بُعد أو الخليط بينهما. أولها تعزيز النية، بدءاً من قادة الأعمال من الرؤساء التنفيذيين إلى مديري الأقسام، الذين يحتفلون بأصدقائهم في العمل ويدافعون عنهم. يتعلم الموظفون القواعد السلوكية والإشارات من مديريهم وقادتهم، ويحتاجون إلى مباركة القادة لتكوين صداقات في العمل. ينبغي أن يتحدث القادة عن أهمية وجود صديق مقرب في العمل وتجسيد النية الطيبة في تكوين العلاقات.
المقترح الثاني هو خلق فرص تفاعلية بين الموظفين لتزدهر الصداقات بينهم.. هل يتمتع الموظفون بالوقت والفرص والإذن لتكوين اتصالات تلقائية؟ يتحمل المديرون مسؤولية تعزيز جو فريق العمل الذي يشجع الثقة والتعاون. حيثما أمكن، ينبغي على المديرين إزالة القيود المفروضة على التقارب الاجتماعي وخلق جو يشعر فيه الموظفون بالحرية ويشجعون على التواصل، وإعطائهم الفرصة لمتابعة الصداقات بأنفسهم، ودعم جهودهم من خلال الأحداث الاجتماعية المخطط لها مسبقًا لمنحهم فرصًا كبيرة للدردشة، سواء كان حدثًا خارج الموقع أو غداء فريق مرتجل. قد تبدو هذه الأنشطة مضيعة للوقت، لكن الاستثمار فيها يساعد على تكوين صداقات حقيقية، وإشراك الموظفين من أجل الأداء العالي والابتكار.
المقترح الأخير هو استمرارية التواصل والمحادثة لتنمية أفضل الأصدقاء في العمل، فهو يغذي التميز في الأداء، إذ من خلال المحادثة يمكن للموظفين الأصدقاء أن يُظهروا صدق مشاعرهم في بيئة عملهم ويمكنهم دعم بعضهم، والحفاظ على الشعور بالمسؤولية، وتبادل الأفكار، واستخدام نقاط قوتهم للمساهمة في جودة الإنتاجية. يبدأ الاتصال بقدوة القادة وخلق ثقافة يكون فيها الحوار الودي هو القاعدة. على سبيل المثال، ينبغي على المديرين إرسال رسائل إلكترونية أسبوعية للفريق للتقدير بأعمالهم والاحتفال بالذكرى السنوية والأعياد ونقل أعمال ما يقوم به الجميع.
بناء ثقافة الصداقة في العمل صارت أكثر أهمية في مكان العمل بعد انتشار جائحة كورونا، حيث تعرض العديد من الموظفين للضغوط العاطفية والعزلة.. ولا يحتاج العاملون إلى الدعم الاجتماعي فحسب، بل يحتاجون أيضًا إلى الشعور بالمسؤولية والارتباط بثقافتهم، حسب ما توصل إليه غالوب..