يعتبر القلق ظاهرة خطيرة تصيب الإنسان والأمم والشعوب فإنه يؤدي إلى الملل والسخط على الحياة والشعور بالكآبة والحزن كما يؤدي إلى الجمود عن السير قدماً نحو الأفضل أو القعود عن العمل وكذلك يصيب المرء ببعض الأمراض الخطيرة كأمراض القلب والانهيار العصبي والسهر.. وهذه الحالات قد تدفع إلى الانهيار والانتحار هروباً من الواقع وتخلصاً من هذه الحياة الصعبة.
وهكذا فإن القلق يعتبر ظاهرة مؤلمة تصيب الأفراد والجماعات والشعوب على حد سواء. فهي تعاني من أزمة نفسية كبيرة لاسيما وأنها جعلت مفهوم السعادة للإنسان هو إشباع غرائزه وحاجاته المادية.
فماذا كانت المحصلة.. فوضى أخلاقية، وتدهور في القيم الإنسانية، ومشاكل وأزمات نفسية عديدة أدت إلى الاندفاع وراء اللذة والضياع والمجون وتناول شتى أنواع المخدرات، فلا بد من تأثيرها على سير المرء في معترك الحياة فإن حضارة اليوم حضارة مادية تفصل الدين عن الحياة وهذا الفصل هو الذي جعل الفرد يعتمد على قواه وحده.
فإذا نظر إليها المرء يراها محدودة الجانب فكيف تستطيع هذه القوى الثبات على مصاعب الحياة؟
فالإخفاقات بديهية مهما جرب الإنسان من حلول.. فإن معارفه محدودة مهما بلغت، وأن قواه محدودة مهما سمت ونمت.
فإذا الإنسان لم يعرف خالقه حتى يلجأ إليه في السراء والضراء وحتى في الأحوال العادية - فإن القلق سوف يسايره ويستولى على قلبه وعقله وفكره وسيؤثر على سلوكه وقوة اندفاعه في هذه الحياة.
فإذا كان الفرد يؤمن بالله باعتباره فكرة وليس حقيقة كما يفعل العالم الغربي فهذه الحضارة الحديثة هي سبب من أسباب أزمة الإنسان في العصر الحاضر، لأنها حضارة مادية لا تقيم للروح أي قيمة في حياة المرء، ولا للقيم الخلقية والإنسانية أي اعتبار. وهي التي أوجدت في الفرد الشعور بالقلق والاضطراب والخوف على المصير.
فالإسلام باعتباره رسالة إنسانية، قد حل للإنسان العقدة الكبرى لديه بأن أعطاه فكرة كلية عن هذا الكون والفرد والحياة، وما قبلها وما بعدها، بأن لها خالقاً خلقها من عدم، وأنه واجب لوجود الخالق وكما قال تعالى: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (سورة الروم آية 11).
قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (سورة الزمر آية 62).
وقال تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (سورة مريم آية 67).
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (سورة الأنبياء آية 33).
وهذا الخالق أزلي، ولهذا لا يمكن أن يكون إلا واحداً، ولا يمكن أن يكون خالقاً ومخلوقاً في آن واحد:
وقال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (سورة الحديد آية 3).
فقد خلق الإنسان من أجل غاية معينة قد بينها له وهي عبادة الله تعالى بكل ما في معنى العبادة من خضوع لله تعالى وامتثال أوامره ونواهيه:
وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (سورة الذاريات آية 56).
فالطريق الذي رسمه الإسلام للإنسان في الحياة كله عباده.. فالجهاد عبادة، والسعى لكسب الرزق الحلال عبادة، ومساعدة المحتاج عبادة، وإغاثة الملهوف عبادة، والزواج عبادة، وطاعة المرأة لزوجها عبادة، والصلاة والدعاء والصوم والحج عبادة، ودفع زكاة المال عبادة ولهذا فإن المرء ليس حراً، بل مخلوق لخالق الله، كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} (سورة القيامة آية 36). فإن هذا الاستفهام الإنكاري يمثِّل أنه لا يؤثر ولا ينهى وهذا يعني أنه ليس حراً.
ولذا فقد جاءه الإسلام بأوامر ونواه معينه، وأمره أن يسير أفعاله وأن لا يحيد عنها قيد شعره، لأن مصيره أولاً وآخراً إلى الله، وأن الله محاسبه على أعماله كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} (سورة النجم آية 39-47).
فهناك إذن حياة بعد الموت، ولكنها ليست من أجل السعي والعمل، وإنما هي من أجل الحساب والعقاب، والثواب والجزاء أما القلق عند الإنسان فقد عالجه الإسلام بالإحكام الشرعية أي بالأنظمة الإسلامية التي تجعله على صلة دائماً مع خالقة سبحانه وتعالى مما يوجد في النفس البشرية الطمأنينة، الأمن، والسعادة، والاستقرار.
كما قال الباري عز وجل: {ألا بذكْر الله تطْمئنُ الْقُلُوبُ} (سورة الرعد آية 28).