سهوب بغدادي
«صديقك من صدَقك لا من صدّقك» مقولة تحمل من المعاني والدلائل ما لا تحتمله العقول والقلوب، فما الذي يجعل الصديق صديقًا؟ قد يجيب البعض أن الصداقة تتطلب مضي وقت طويل من الزمان، والبعض الآخر يعبر عنها بالمواقف، في حين تظن فئة معينة أن شرط الصديق تواجده في المكان الذي أتردد عليه أو أتواجد فيه كثيرًا كالعمل، والمدرسة، والمقهى، وما إلى ذلك. فيما تزعم فئة ليست ببسيطة أن الصداقة ارتباطٌ روحي وثيق لا يتطلب زمانًا أو مكانًا، فهل الصداقة تحتمل جميع المعاني الآنف ذكرها؟ أم بعض من الشيء يكفي لجعلها تستمر وتزهر؟ لا أعلم، فكل شخص لديه من المقومات التي يرشح ويفرز بها الأشخاص ويقدم بعضهم على بعض، فالواجب أن يكون لدى الإنسان وسيلة فرز للأشخاص كيلا يهدر طاقته وجهده ووقته على التنقل من شخص إلى آخر، فما بالكم بصداقة المجموعات التي يتحتم عليك أن تكون فيها الأقرب والأكثر مرحًا وتطول القائمة، ولا أعتقد أن صداقة الشلة تستمر كما هي, فشلة المدرسة تبعثرت مع رياح السنين، لتتحور إلى شلة العمل ورفقة الاستراحة، وقد يظن الشخص أنه وجد ضالته فيهم في فترة ما، إلا أن الخافي أعظم! الخافي من خذلان، وطموحات ارتفعت لتصل إلى عنان السماء، و»العشم» في ذلك الموقف وتلك الصعوبات، إن سبب الخيبة في العلاقات ليس الأشخاص بالضرورة بل نحن! نحن من نعطي بلا حساب وبلا كلل أو ملل، نجئ كلنا لا بعضنا، ونبذل في سبيل الترقي لكلمة صديق وإن كنت صديقًا لفينة من الزمن، بعض الأشخاص تخلوا عن الصداقة ليصاحبوا أشياء أخرى كالجمادات، الكتب، البلاي ستيشن، مواقع التواصل الاجتماعية -اللااجتماعية-، والمقاهي، في حين يفضل قلة من الناس مصاحبة أنفسهم، فيستأنسون بخلوتهم، ويعبرون إلى ضفاف الأيام وحيدين دون الشعور بالوحدة، ولا يوجد أسلوب خاطئ وآخر جيد، فما تقوم به وينفعك ويضيف لك هو الأمثل، من هذا الموطن، رأيت علاقة فريدة من نوعها للأخوين سعود وسلطان البصيص، حيث التقيتهما في مؤسسة العنود بمناسبة اليوم العالمي للغة الإشارة، وبعد التمحيص فيهما -نظرًا لكونهما توأمًا متطابقًا « حفظهما الله»، وجدت أن الصداقة في الأخوة أو الأخوة في الصداقة أمر جميل، لن تخذل ولن يتم التخلي عنك، وإن حصل ذلك -حمانا الله وإياكم- فتستطيع ببساطة أن تعاتب بشراسة مع علمك يقينًا بأن الطرف الآخر لن يفهمك بشكل خاطئ، سلطان وسعود مختلفان ولكن يمثلان لبعضهما مرآة تعكس حقيقة وطبيعة الآر، فما ألطف هذا الرباط، وأدعو الله لهما بالتوفيق والسداد ودوام الود والأخوة في الدم وفي الله وذلك الأهم، في الختام، لا أستطيع أن أذكر الصداقة دون أن أذكر صديقتي أروى فما جمعني بها غير واقعي وغريب ومذهل ولا يوصف، ولم أعلم له تفسيرًا أو حلًّا سوى أنها هبة من الله الوهاب.