د.شريف بن محمد الأتربي
في ليلة مباركة بإذن الله أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- أمراً ملكياً بتعيين سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيساً لمجلس الوزراء لتستمر رحلة العطاء والتميز والتي بدأت مبكراً جداً وكنت ولله الحمد شاهداً عليها، فقبل أكثر من 10 سنوات وبالتحديد يوم الأول من شهر إبريل عام 2010، نشرت في جريدتنا الجزيرة الغراء مقالاً أشرت فيه إلى التفوق والنبوغ اللذين رأيتهما في سمو ولي العهد حين كان طالباً في مدارس الرياض وكان لي شرف تدريسه خلال هذه الفترة، وأني أتوقع أن يصل سموه إلى أعلى المناصب وهو يستحق ذلك، ومما جاء في المقال المعنون بـ(المستشار محمد بن سلمان: طالباً عرفته بطموح كبير).
حين يسترجع المرء ذاكرته رابطاً إياها بما يمر به من أحداث وتطورات يجدها مليئة بالذكريات التي غالباً ما تتعلق بمواقف وعبر متنوعة بين إيجابيتها وسلبياتها، ولكنها حُفرت في الذاكرة لتكون للمرء معيناً ينهل منه في المواقف المشابهة ولم تمحُها عوامل الزمن والتقدم في العمر مع ما محي من أحداث ومواقف ومعارف.
وقد فاجأتني ذاكرتي بالاسترجاع السريع لما يتعلق بسمو الأمير محمد بن سلمان حين طالعت خبر اختياره من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميراً لمنطقة الرياض -يحفظه الله- مستشاراً خاصاً له وعادت الذاكرة إلى أوائل عام 1413هـ حين شرُفت بالعمل في مدارس الرياض وكان الأمير محمد طالباً في المرحلة الابتدائية وكنت معلماً لمادة المكتبة والبحث أصطحب تلاميذي إلى مكتبة المدارس لننهل معاً مما في نبعها من معارف ومعلومات، وقد كنت حريصاً على التعرف على ميول واتجاهات طلابي فكنت أترك لهم حرية اختيار ما يناسبهم من قصص وكتب من على رفوف المكتبة، وقد لاحظت أن الأمير محمد كان دائماً يخبرني بأن هذا الكتاب لدينا مثله في مكتبتنا في البيت وذاك أيضاً وهذا يتكلم عن كذا فاطمأنت نفسي أنني أسير في الاتجاه الصحيح الذي يطمح إليه سمو الأمير سلمان وكل والد في تربية أولاده، وأصبح الأمير محمد زائراً يومياً للمكتبة إن لم يكن لمعرفة معينة فهو للسلام، وكبر الأمير والتحق بالمرحلة المتوسطة واستمر شغفه بالمعرفة والعلم وتطورت أسئلته وتنوعت وكان الكثير منها يدل على نبوغ وذكاء كبيرين وحين بلغ الأمير المرحلة الثانوية عدت مدرساً له فوجدته وقد ازداد تواضعاً وحباً للعلم والمعرفة وحين سألته يوماً عن طموحه قال: أريد أن أرى بلادي في مصاف الدول الكبرى والمتقدمة، وازداد التواصل بيننا في مرحلته الجديدة، وكنا نلتقي طوال اليوم الدراسي من واقع تواجدنا في نفس المرحلة، وبدأ الأمير ينهج نهجاً خاصاً في علمه حيث يربط بين ما يحصل عليه من معارف يومية وبين ما يحدث على الساحة من أحداث بل ويتعمق في الحدث حتى تظن أن الموقف أو المشكلة التي يسأل عنها هي جزء من حياته رغم أنها تكون عالمية أو محلية، فقلت إن فتىً بهذا الذكاء وهذا التفكير سيكون يوماً صاحب منصب مميز. ومع اندماج الأمير في عمليته التعليمية والمعرفية لم ينس يوماً علاقاته الاجتماعية، فكان متواصلاً دائماً مع معلميه وزملائه، مشاطراً لهم أحزانهم وأفراحهم، وهذا ليس بغريب عليه فهو ابن سلمان بن عبد العزيز مدرسة التواصل والتراحم، وكان لي من الحظ أن عشت معه أكثر من موقف ينم عن نبل الأخلاق والأدب الجمّ.. وأذكر منها موقفين اثنين، أولهما مرض أحد المعلمين والذي استلزم نقله للمستشفى فكان الأمير من أوائل الزائرين وعرض سموه على ذوي المريض أن يتكفل بعلاجه في أي مكان حتى يعود إليهم صحيحاً معافى، وحن خرج من الغرفة فاجأني أحد الأشخاص بالسؤال عن هذا الشاب فقلت له إنه الأمير محمد بن سلمان فقال: سيكون لهذا الفتى شأن عظيم لتواضعه الكبير وأدبه ومحبته التي نثرها على كل من كان موجوداً. والموقف الآخر كان أثناء إحدى فسح اليوم الدراسي وكان هناك بعض الطلاب المتواجدين داخل الفصل وكانوا يسخرون من زميل لهم حتى كاد أن يبكي ودخل الأمير محمد الفصل فعزّ عليه ما رآه، فقال لهم أترضونه لأنفسكم أيحب أحدكم أن يكون مكانه، فأخذوا يعتذرون لزميلهم الذي احتضن الأمير وثمّن له موقفه.. وهناك الكثير والكثير من المواقف التي يعجز المرء عن حصرها برزت فيها شخصية الأمير محمد بن سلمان. فهنيئاً لمحمد بن سلمان بالمنصب الجديد والثقة الجديدة.
وها هو التاريخ يعيد نفسه ويصدر أمر خادم الحرمين الشريفين بتعيين سمو ولي العهد رئيساً لمجلس الوزراء ليواصل بنفسه متابعة الحلم الجميل الذي نعيش فيه جميعنا والذي تتجسد يومياً وعلى أرض الواقع حقائق فعلية ملموسة منه، حلم رؤية 2030 التي وضعها وصاغها ويشرف عليها سموه الكريم تحت رعاية ومتابعة الملك سلمان.
لقد بدأت رحلة نبوغ سمو ولي العهد مبكراً ومنذ التحق بصفوف التعليم الأولى، فكل من شاهد أو عاصر أو درّس سموه الكريم شهد له بالذكاء والتميز والتألق، فأميرنا الشاب الملهم المجدد لم يكتف بهذا التألق خلال مراحل دراسته الأساسية، بل واصل تألقه في مراحل دراسته الجامعية، فحصل على درجة البكالوريوس في الحقوق بدرجة الشرف الأولى محتلاً المركز الثاني على دفعته، وتتواصل النجاحات السياسية والعملية بداية من تعيينه مستشاراً في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ومستشاراً خاصاً للملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميراً لمنطقة الرياض.
وتبدأ قصة نجاح جديدة بصدور الأمر الملكي الكريم بتعيين سموه رئيساً لديوان سمو ولي العهد ومستشاراً خاصاً بمرتبة وزير، ويزداد التألق حين عُين مشرفاً عاماً على مكتب وزير الدفاع ووزير دولة وعضو مجلس الوزراء بجانب عمله، وبدأت الإبداعات تتوالى في وزارة الدفاع ليقود الأمير الشاب الملهم رحلة تجديد وتحديث لكافة أعمال الوزارة ذكرت جزءاً كبيراً منها في مقالي السابق عن كون الوزارة أنموذجاً في التغيير والتدريب.
تولى خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- سدرة الحكم فصدر الأمر الملكي القاضي بتعيين سمو الأمير محمد وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، ومستشاراً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، ومن ثم تضاف إليه أعباء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بعد استحداثه، ومنه انطلقت رؤية المملكة 2030.
وفي التاسع والعشرين من شهر إبريل عام 2015 وقع الاختيار على الأمير محمد ليكون ولياً لولي العهد، وفي ليلة مباركة يوم الحادي والعشرين من شهر يونيو عام 2017 اختير سموه الكريم ولياً للعهد لتستمر الإنجازات وتتوالى سريعاً على كافة الأصعدة، وفي مختلف المجالات سواء السياسية أو التعليمية أو الاقتصادية أو على جانب المرأة وجودة الحياة والرياضة، و... ومهما ذكرت وعددت لن يتوقف القلم عن الكتابة ولن تنتهي الكلمات القادرة على حصر إنجازات الابن الغالي والقائد الواعي سمو ولي العهد.
وفي يوم السابع والعشرين من شهر سبتمبر من العام 2022 يصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله - قراراً تاريخياً بتعيين سمو ولي العهد في منصب رئيس مجلس الوزراء ليستلم زمام قيادة فريق العمل تحت إشراف الملك سلمان لتحقيق المزيد والمزيد من الإنجازات التي لم ولن تتوقف - بإذن الله- وستعجز الأجيال القادمة عن تخيل سرعة حدوثها، ولكنها حدثت بفضل الله تعالى ثم بفضل قائدنا وحبيبنا وآسر قلوبنا محمد بن سلمان - حفظه الله.