د. أحمد محمد الألمعي
نشاهد كل يومين أو ثلاثة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لحوادث سير مفجعة ينتج عنها وفيات وإعاقات وضحايا أبرياء من الأطفال والكبار، وتصيب هذه المشاهد كل من يراها بالصدمة النفسية والرعب والخوف من استعمال الطرق. وشاهد كثير منا مؤخراً مقطع فيديو لسائق متهور تخطى حافلة مدرسية في شارع ضيق لأنه لم يستطع أن ينتظر دقيقتين حتى تقطع المعلمة الشارع بالطفلة لتوصلها إلى منزلها، ولولا ستر الله لكان دهس طفلة بريئة بعمر 6 سنوات وأحرق قلب أسرتها. ونرى الكثير من تلك المشاهد التي تبدو وكأنها من أفلام المغامرات التي يقوم بها المتهورون مثل قطع الطريق أمام المركبات الأخرى بأسلوب خطر، والتجاوز خارج الخط الأصفر لأن السائق لا يطيق الانتظار لدقائق أثناء فترة الازدحام. وتتكرر مشاهد التهور في القيادة من شباب ليس لديهم أدنى احساس بالمسؤولية أو ادراك بأن سلوكياتهم جنونية وخطرة، بل نراهم يتباهون على وسائل التواصل الاجتماعي بالقيادة بشكل يثير الرعب معرضين حياة كل من يستخدم الطريق للخطر. يتصور هؤلاء الشباب المتهور انهم في ميدان سباق وفي تحدٍ يومي مع كل من يستخدم الطريق، وتصل بهم العجرفة والعدوانية لدرجة التهديد والسلوك السيكوباثي تجاه كل من يحاول توجيههم. تجد الشاب من هذه الفئة يقود خلفك بدون ترك مسافة آمنة، على وشك أن يصطدم بك في حركة تهديد متخطياً السرعة القانونية في منحنى أو شارع ضيق لكي تفسح له الطريق الذي لا يسمح بمرور سوى مركبة واحدة فقط، والنتيجة كارثية في أحيان كثيرة. وتختلف أنواع هذه السيارات التي يقودها هؤلاء المتهورون ولكنها في غالبيتها مركبات صغيرة لا تتحمل السرعة والتهور، ويظهر عليها الكثير من آثار القيادة المتهورة مثل الصدمات و»الحكات» مما يعطي انطباعا واضحا بأن سلوك هذا السائق هو نمط تعود عليه بشكل يومي. ولا ننسى الإيماءات البذيئة والتهديد بالصوت والاشارة محاولاً اجبار السائقين الآخرين بالتوقف على جانب الطريق والدخول في عراك يشهر فيه ذلك الشاب الذي يبدو في حالة هيجان شديد، والسبب لا يتعدى كونك لزمت مسارك واتبعت النظام ومبادئ القيادة الآمنة. وكم سمعنا عن وفيات وإصابات بليغة بسبب عراك على جانب الطريق لأسباب تافهة يستحي العاقل من ذكرها، وهناك الكثير من الأمثلة على مقاطع منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي مما يندى له الجبين. وفي خضم هذه السلوكيات الهمجية، نسي البعض آداب القيادة واذوق العام التي أصبحت خارج الصورة بالنسبة لأمثال هؤلاء، فالانتظار لخروج مركبة من موقف هو من سابع المستحيلات، فتجد السائق يقود بسرعة ليمنعك من الخروج من الموقف مثلاً، أو يقفل المسار الأيسر لمنعك من التجاوز في الطريق السريع عندما يقود بسرعة بطيئة لأن «صاحبنا ملك الطريق» على الهاتف الجوال يتحدث أو يرسل رسالة نصية في تشتت واضح بعيداً عما يحدث أمامه في الطريق، ولكن بمجرد رؤيته لمركبة أخرى تحاول التجاوز، يجن جنونه ويعتبرها تحديا سافرا له وإهانة شخصية ومحرجة أمام من معه من الشباب المتهور الذين لا يملكون أدنى احساس بالمسؤولية. ومن الملاحظ عدم استخدام كثير من السائقين الإشارة قبل الانحناء بالمركبة لليمين أو اليسار لتنبيه من خلفه وكأن ذلك قد تم الغاؤه من قواعد السير. الغريب في الموضوع أن الجميع يتبع قوانين المرور ومبادئ السلامة والسلوك الحضاري عند القيادة خارج الدولة وعجبي، فما هي الأسباب التي تجعلهم يغيرون من سلوكياتهم يا ترى؟ احصاءات الحوادث للعام الماضي تشير إلى أرقام مرعبة؛ 16000 قتيل و105 آلاف مصاب وهي أرقام لا نسمع عنها حتى في الحروب. فهل دق جرس الخطر لكي ننتبه لهذه الآفة المجتمعية التي انتشرت وأصبحت تكاد تكون القوانين الواقعية المفروضة من قبل فئة منحرفة على الجميع اتخذوا الطرقات العامة مجالاً للتعبير عن نفسيات مريضة غير مسؤولة، تضرب بعرض الحائط كل مبادئ السلامة والذوق العام والإحساس المجتمعي. تقوم الدولة مشكورة بكثير من الجهود وانفاق الميزانيات الضخمة وتغليظ العقوبات لسلامة وسائل النقل وحماية الجميع ولكن يبدو أن وضع القوانين لا يكفي، فعلينا وضع وسائل فعالة لتطبيقها من وسائل رصد إلكترونية على الطرقات خاصة داخل المدن، ووضع وسائل للتبليغ الإلكتروني نصياً وعن طريق مقاطع الفيديو التي تدين من يقدم على مخالفة القانون ويعرض حياة الآخرين للخطر. في النهاية يجب حماية كل من يستخدم وسائل النقل لقضاء حاجاتهم اليومية والوصول لأعمالهم بمنع هؤلاء المتهورين من فرض هذا الواقع المرعب في الطرقات.