إيمان حمود الشمري
لم ينس الصينيون ذلك اليوم الذي رأوا فيه السماء بشكل واضح بعد أن حجبها التلوث لمدة عشر سنوات على التوالي وحرمهم من متعة رؤيتها، كان ذلك بعد تطبيق عدة إجراءات للتخفيف من حدة التلوث، وهذا ما جعل الصين تعيد التفكير في محاربته وتسعى لخطوات جادة في إيجاد حلول ووضع خطة عملية واضحة، يمكن أن تتحقق بتكاتف الشعب والقيادة لتحقيق هذا الأمر.
لو زرت الصين لرأيت ثقافة قيادة الدراجة منتشرة كوسيلة مواصلات معتمدة يستخدمها الموظفون وأرباب العمل بصفة رسمية دون الشعور بالخجل، حُددت لها مسارات خاصة وإشارات في الشوارع العامة، وقد لفت نظري أنا شخصياً، أن حتى بعض موظفي السفارة السعودية استخدموا الدراجة في الذهاب إلى العمل، هذا التحول بالمفهوم جعل من ركوب الدراجة أمراً عادياً لا حياء فيه، وقد تندهشون لو قلت لكم أن الصين لديها نظام جدولة لسير السيارات والتخفيف من الازدحام والدخان المنبعث من عوادم السيارات، وذلك بتحديد السيارات المسموح لها بالقيادة في أيام معينة حسب أرقام لوحة السيارة، ويوجد كاميرات تلتقط اللوحة المخالفة التي تسير بغير يومها.
كما لعب التشجير دوراً مهماً بامتصاص مسببات التلوث، وأكاد أرى ذلك واضحاً من خلال الزيارات التي قمنا بها للكثير من الشركات والمصانع التي تكاد لا تخلو من منتزه خاص بها يحوي الكثير من الأشجار والنباتات لامتصاص الانبعاثات التي تخلفها عمليات التصنيع.
لم تكن هذه الإجراءات الأولية التي طبقتها الصين كافية، كونها أكبر مستهلك للطاقة عالمياً، وأكبر دولة مطلقة للانبعاثات الضارة بالبيئة بسبب عدد سكانها الذي يمثِّل ربع سكان العالم، لذا كان حبل النجاة الوحيد الذي سينقذ الصين ويحقق لها الهدف بحماية البيئة هو: تطبيق نموذج (الحياد الكربون)، إذ تسعى الصين لخفض الانبعاثات وتطبيق خطتها لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2060 .
قد لا يسعني ذكر الخطوات التي طبَّقتها الجمهورية الصينية بدقة في مقال يجب أن لا تتجاوز عدد كلماته 400 كلمة، ولكنني أستطيع أن أختصر لكم الأمر بأن الشركات الصينية الكبرى اتخذت خطوات ملموسة في استغلال الطاقة النظيفة، حيث أعلنت أكبر شركة نفط صينية أنها ستبني 1000 محطة للتزويد بالوقود الهيدروجيني في غضون خمس سنوات، كما طور معهد الطاقة الحيوية إنتاج ديزل حيوي يمكن أن تمتص النباتات أكثر من 50 % منه، وتعمل مجموعة هواننغ الصينية على استخدام الطاقة المتجددة والنووية والكهرومانية، حتى تتمكن من تحقيق خفض استهلاك الفحم وانبعاث الكربون. كما أحرزت بعض المؤسسات البحثية تقدماً في استخدام الطاقة الحيوية والشمسية. هذا التطور اللافت الذي تحرزه الصين في مجال مكافحة تلوث البيئة جعلها من الممكن أن تقطع وعداً على نفسها أمام العالم بتغيير المناخ وخفض درجات الحرارة العالية، وهذا الأمر باختصار لن يتحقق إلا بنمو الطاقة النظيفة والتوازن بين الاستهلاك والتصنيع وتراجع استخدام الفحم، فهل تنجح الصين بوعودها المناخية الطموحة؟ هذا ما سوف تجيب عليه الأيام.