يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ..} (سورة النِّساء آية 58).
وقال الباري عزَّ وجلَّ في محكم كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (سورة المؤمنون آية 8).
وقال الإمام أحمد: لا إيمان لمن لا أمانة له, ولا دين لمن لا عهد له.
وقال الطبراني: المستشارُ مؤتمن.
كلما يتتبع المرء قول الله عزَّ وجلَّ في الآيات سابقة الذكر أن الأمانة تحتل مكانة عظيمة في ديننا الإسلامي الحنيف إنَّها آيات عظام لكل من وعي وتدبر وتفكر.. فأبصر.. إنها دلالات تذكر وعبر لأولى النهى والألباب والعقول ولمن خاف مقام ربه فخشع ورهب من هذه الكلمة. فالبعض من الناس يتصور أن كلمة الأمانة مجرد آمال وتطلعات فقط وتطلق في أي وقت وحين ويتجرد منها الفرد في أي وقت وحين حسب رغباته وأهدافه.
فالإنسان المخلص في دينه وعمله يستطيع بعد الله أن يقنع من يتعامل معه بأمانة وإخلاص وعدل ومساواة خلال تبادل وجهات النظر والمناقشة للأهداف التي يسعى إليها كل واحد منا في هذه الحياة الدنيا وفقا لما هو مطلوب والعمل الدؤوب الذي يتحلى بالأمانة والإخلاص والعدل والمساواة والقدوة الحسنة تجعل كل إنسان منا يدرك تمام الإدراك ما هو منوط به بعد أن وضع مخافة رب العباد أمام عينيه في كل وقت وحين. متوخياً مصلحة كل مجال من مجالات الحياة فإن الفرد القدير والمتمكن والواثق من نفسه يعطي الأمانة أهمية كبيرة وذلك بوضع الشيء في مكانة اللائق, فلا يسند منصب ((ما)) أو أمر من أمور الحياة إلا لمن يستحقه بجدارة واستحقاق ولا تملأ وظيفة إلا بالمرء الذي يرفعه كفايته إليها, ولا يكلف القاضي والمحامي ولا الطبيب ولا المهندس ولا الوصي ولا الوكيل الشرعي ولا المعلم ولا المدرسة.. الخ إلا لمن يدير هذه التخصصات العلمية والأدبية والطبية والشرعية والتربوية بالطريقة المثلى.
فالأمانة بالمعنى الصحيح ترتكز على أسس وقيم ومبادئ وعدل ومساواة ينفذها المرء على السّاحة حسب تبعيته, وإدراكه الجازم بأنه مسؤول عنها أمام خالق هذا الكون العظيم الذي فصله هذا الحديث الذي أمامك أيها القارئ الكريم: اسمع قول نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته, والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته, والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها, والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته).
ومن أهداف ومعاني كلمة الأمانة أن يحرص المرء على أداء واجبة كاملاً في العمل الذي ينوط به, وأن يستنفذ جهده في إبلاغه على الوجه الأكمل أي أن يخلص الإنسان لشغله وأن يعتني بإجادته وأن يسهر على حقوق الآخرين التي وضعت بين يديه, فإن استهانة الفرد بما كلف به, تستتبع التفريط في حياة الجماعة كلها, ثم استشراء الفساد في كيان الأمة. من الأمانة ألا يستغل الموظف منصبه الذي عين فيه لجر منفعة شخصية على أي شكل كانت, فإن التشبع من المال العام جريمة. والمعروف أن القطاعات المتعددة تمنح العاملين لديها أجوراً معينه, فمحاولة التزيد عليها بالطرق الملتوية هي اكتساب للسحت.
فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (سورة آل عمران آية 161). وقد شدد الإسلام في ضرورة التعفف عن استغلال النفوذ, وشدد في رفض المكاسب المشوبة.
فمن أخذ غير حقه فإنه يعتبر اختلاساً من مال الجماعة ومن المؤسف أن هناك جمهوراً من العاملين لا يفقهون إلا منطق المال, والدرجة والترقية, ويحتسبون بدينهم وديناهم داخل هذا النطاق, ويربطون رضاهم وسخطهم, وفتورهم بميزانه المضطرب.
فالواجب أن تحفظ حقوق المجالس والمنتديات التي تشارك فيها, فلا تدع لسانك يفشي أسرارها, ويسرد أخبارها, فكم من حبال تقطعت أوصالها, ومصالح تعطلت, وذلك باستهانة بعض البشر بهذه الأمانة. فإن حرمات المجالس والمنتديات تصان, مادام الذي يجري فيها مضبوطاً بأنظمة الأدب وشرائع الدين, وإلاَّ فليست لها حرمة.
وعندما يتحلى المرء بالصبر وتوطين النفس البشريَّة على ما يتعرض له في سبيل أمانته فهي التي تجلو معادن الرِّجال, فمن صبر عليها واستعان بخالقه على شرور الآخرين فهو الصادق والأمين مع الله الواثق بتأييده..