عبدالوهاب الفايز
العرب المعجبون بدون حدود بالحضارة الغربية، في أزمة فكرية وقيمية.. وهم يرون تقلّب الأحوال، حيث الانتكاس على القيم الإنسانية التي يدعيها الغرب، فالصراع في أوكرانيا كشف ازدواجية المعايير الكبيرة!
ولا ننسى الليبراليين التقدميين الغربيين.. أيضاً هم في أزمة!
هؤلاء التقدميون ضمن أولوياتهم السياسية الانتصار للقيم الغربية، بالذات حريات وحقوق الأفراد، وهذه تجعلهم يتساهلون مع المهاجرين ويدعمون السياسات المرحبة بهم، لذا التماهي مع الدعوات ضد قضايا المهاجرين تعني خسارة سياسية وحزبية. هي أزمة لأن السياسيين أصبحوا يتغذون على السياسات الشعبوية، التي تستجيب لمشاعر وعواطف الجماهير، وليس بالضرورة مصالح البلاد العليا الأساسية. في أوروبا وأميركا لم تعد السياسة مجالاً لأصحاب النهي والعقول الراجحة ورجال الدولة، بل هي ميدان النجوم وأصحاب المال والنفوذ.
الأوروبيون الذي حققوا مؤشرات متقدمة في الرفاه الاجتماعي، بالذات أوروبا الغربية والدول الاسكندنافية، أصبحوا أكثر خوفًا على نمط حياتهم ولن يقبلوا التراجع عن مستويات الرفاهية التي حققوها. والخوف من المشاركة الاقتصادية للمهاجرين، يصاحبه الحذر من التأثير على التركيبة السكانية، بالذات الخوف من اندماج المسلمين والأفارقة، فهذا مصدر القلق الذي استفادت منه الأحزاب اليمينية وكان عامل نجاحها في الانتخابات.
الجاليات العربية والإسلامية سوف تكون في السنوات القادمة في موضع صعب، كان الله في عونهم. فالأحزاب اليمينية أمامهم، وبلدانهم المحطمة خلفهم. بلادهم لن تستطيع استقبالهم بعد الفرار في المراكب والوصول إلى البلدان البديلة وبعد رحلات العذاب والأهوال، بالذات المهاجرون من العراق وسوريا، ومن شمال إفريقيا ووسطها. هم ضحايا السياسات الغربية الأمريكية المتهورة التي دمرت المنطقة وأطلقت يد ملالي الخميني في إيران وجماعاتهم الإرهابية لتمارس التطهير العرقي والتهجير الاقتصادي.
لذا، ومع تدفق اللاجئين لن يُستغرب عودة الأحزاب الفاشية والنازية في أوروبا، أو الجماعات اليمينية المتطرفة في أمريكا، فالدول الغربية نجحت في الاستقرار وتسويق نموذجها في الحياة والتجارة والاقتصاد بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الثروات التي راكمتها من استعمار إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، والآن عندما شحت الحال وتراجع اقتصادها تعود إلى غريزتها الأولى التي غطتها بسياساتها الناعمة وعلومها ونمط حياتها.
نتائج الانتخابات الأخيرة في السويد وإيطاليا أكدت أن العالم يأخذ مسارًا جديداً في العلاقات الدولية وفي توجهات الأحزاب والحركات السياسية في الدول الغربية. وهذا التطور الذي يشهد نمو الأحزاب والجماعات اليمينية ذات النزعات الشوفينية المتطرفة سوف تترك أثرها السلبي على الحياة السياسية وأكثر المتضررين سوف تكون الجاليات العربية والإسلامية.
هذه الجاليات ستكون في ورطة، بالذات أبناء الجيل الثاني من المهاجرين الذين تيسَّرت أمور حياتهم وحققوا بعض المكتسبات والنجاحات الوظيفية والاقتصادية. هؤلاء سيكونون في مأزق إذا أرادوا مقاومة النزعات السياسية المتطرفة ضد المهاجرين، فسوف يقول لهم أهل البلاد: أنتم معنا أو ضدنا؟
وهذا متوقع مع توسع حدة الاستقطاب السياسي بين اليمين أو اليسار، ودخول حرب الهويات والثقافات، وهذه ورطة تواجه الآن الأمريكان المهاجرين من أمريكا الجنوبية، فالتوجهات للحزب الديمقراطي الداعمة للمهاجرين ولحياة الشواذ وكل المظاهر الليبرالية المتحررة، هذه لا تخدم وضعهم الاقتصادي أو الاجتماعي، فسوف يلحقهم الضرر إذا دعموا هذه التوجيهات الليبرالية لأنها ضد مصالح الطبقة الوسطى في أمريكا التي تعاني من تراجع وتفكك الأسرة وتراجع الدخل، وارتفاع معدلات الجريمة. لذا متوقع تحول كثير من هؤلاء للحزب الجمهوري.
وهذه المخاوف المتعددة هي نفسها في أوروبا. إلى وقت قريب كانت السويد معروفة بأمانها، فقياداتها السياسية وأثرياؤها يتجول بالدراجات في الشوارع. الوضع اليوم أصبح مختلفاً تمامًا. بين عامي 2013 و2017 سجلت السويد أكبر عدد من حالات الاغتصاب المُبلغ عنها للفرد في أوروبا. في عام 2021، وفقًا للمجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة، أصبحت السويد الثانية أوروبيًا في جرائم القتل الفردية من بين 22 دولة أوروبية (بعد كرواتيا) خلال السنوات الأربع السابقة.
أين هذا قبل عشر سنوات؟ وجدت الدراسة الاستقصائية السنوية لجامعة جوتنبرج، (المجتمع والرأي والإعلام) أن القانون والنظام كانا يمثِّلان أدنى أولويات السويديين. هذا العام، تأتي على رأس أولوياتهم بنسبة 41 %. تأتي بعد ذلك الرعاية الصحية بنسبة 33 % و31 % (الاندماج والهجرة). هذه المخاوف الثلاثة هي في الواقع قضية واحدة للآثار المتتالية للهجرة. (انظر عدد مجلة الايكونوميست 24 سبتمبر 2022).
الأحزاب والتوجهات الديموقراطية الليبرالية في الدول الغربية سوف تواجه أزمة مع الشارع، والأوضاع في أوكرانيا تعجل بكل علامات التحول القوي في التوازن الأوروبي نحو اليمين المتطرف القومي. الناخبون هناك سئموا من إخفاقات الأحزاب القائمة، بالذات في تحالفهم مع السياسات الأميركية في أوروبا. الآن تداعيات الحرب الأوكرانية سوف تترك آثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية على القارة كاملة، فالأوروبيون يكتشفون أنهم الخاسر الأكبر من الحرب، ومعهم الجاليات العربية والإسلامية. الله يعينهم.