سارا القرني
بعد أيام تودّع الرياض معرضها الدولي للكتاب الذي افتتحته في 29 سبتمبر الماضي.. وهو بلا منازع أفخم تجمّع ثقافي بالدول العربية والشرق الأوسط، حيث شارك في هذا العرس الثقافي أكثر من 1200 ناشر من مختلف دول العالم.
ندوات تلو ندوات أُقيمت في المعرض القابع بواجهة الرياض، ومبادرات تلو مبادرات تقدمها وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، الذي صرّح رئيسها التنفيذي -محمد حسن علوان- بأنّ المعرض جسرٌ لفهم الآخر، وأنه مساهم رئيس في الحراك الثقافي الوطني!
وبين العديد من المبادرات والندوات والفعاليات المصاحبة للمعرض.. لفتتني مبادرتان أعتبرهما نقلة نوعية كبيرة في المشهد الثقافي السعودي، وهي مبادرة ترجم والوكيل الأدبي، وبالأخصّ مبادرة ترجم التي حظيت باهتمام واسع من قبل الناشرين.. وتفاعلوا معها بشكل إيجابي، مبادرة أقلّ ما يُقال عنها إنها دفعة قوية لتبادل الثقافات عبر نافذة الناشر السعودي الذي يواجه معضلات كبيرة جراء ارتفاع تكاليف الترجمة مما يجبره على سقف معين منها، لكن الهيئة بمبادرتها هذه لم تترك عذراً لأحد.. ورفعت سقف الطموحات إلى حدٍّ تعجزُ عنه الأعذار، وجعلت جميع الكتب -مهما كانت لغتها- في متناول الجميع.
ورغم ذلك.. فإنّ لدى الهيئة تحدياً كبيراً يتمثل في حصول الناشر على الحقوق العربية للكتب الأجنبية، فكلّ الخطوات بعد هذه الخطوة في متناول اليد.. الأمر الذي جعل القائمين عليها يفكرون خارج الصندوق، ليخرجوا بفكرة الوكيل الأدبي، وهي بمفهومها البسيط حصول الوكيل الأدبي على وكالة دور نشر عالمية لبيع حقوق ترجمة كتبها للعربية والتسويق لها في هذه الدول، مما يسهل عملية الحصول على الحقوق دون تعقيدات كبيرة في المراسلات والمفاوضات وما إلى ذلك.
لكنهُ بمفهومه الأكبر يتمثل في كونه وسيطاً بين المؤلف والناشر، أو بين المؤلف وشركات الإنتاج الفنية والسينمائية، من خلال عرض أعماله على هذه الجهات إما لنشرها أو تحويلها لأفلام سينمائية أو أعمال غنائية حسب نوع العمل الأدبي المتاح، والمشكلة في نظري لا تكمُن في هذه الخطوة، بل في خطوة عرض العمل على الناشر العربي الذي اعتاد على مرونة من المؤلفين وتنازلات من الأغلب تجاه نشر أعمالهم، فكيف يقبل بوكيل يتابع كلّ صغيرة وكبيرة تخصّ المؤلف وبشروط ستتزايد مع مرور الوقت كلّما انتشر العمل وأصبح المؤلف اسماً كبيراً في عالم الأدب!؟
الوكيل الأدبي في الدول الغربية عاملٌ مهمٌّ في صناعة النشر والمحافظة على استمراريتها، وهو -مع فارق التشبيه- كعين كشّاف المواهب الرياضية.. يرى شخصاً ذا موهبةٍ تحتاج إلى عناية وصقل وتنمية، فيبادر للتوقيع معه والعمل على تطويره ثمّ عرضه على أكبر أندية العالم بناءً على شروط تضمن مستقبل الموهبة من جميع النواحي.
وأنا كمؤلفة عانيتُ كما عانى الكثيرون مثلي من مطالبات دور النشر تارةً ومن ضعف التسويق تارة أخرى، وما أشدّ حاجتنا لوكيل أدبي يجعلنا متفرغين للنتاج الإبداعي دون الركض عبثاً خلف الحقوق المالية أو منافذ البيع التي لا تتوفر فيها الإصدارات أو نفاد الكميات والمفاهمة مرة أخرى حول إعادة الطباعة والعودة إلى نقطة الصفر في كل مرة!
برأيي سينحصر عمل الوكيل الأدبي في التسويق للكتب الأجنبية التي سيحصل على حقوقها من دور النشر، وفي تسويق الأعمال الأدبية السعودية لدور النشر الأجنبية كي تترجم إلى لغاتها وتضمن انتشار المؤلف السعودي عالمياً، لكنّ عمله الحقيقي في إيجاد حلول للمؤلف السعودي مع الناشر سيواجه حرباً ضروساً من الناشر الذي سيعارض فكرة الرقيب والمطالب والشروط التي لم يعتد عليها، ويعتبرها سكيناً تقتطع من وقته كثيراً ومن حصته الربحية أكثر، وتتطلب جهداً متواصلاً لوجود متابعة قوية من الوكيل المكلف بالمحافظة على حقوق مؤلفه وانتشار أعماله.
في نظري.. يكمن الحلّ لدى وزارة الثقافة.. التي بوسعها رفض أي عمل أدبي لا يُرفع إليها عبر وكيل أدبي لتتيح له إذن النشر، وإلغاء فكرة الحقوق الفردية التي لا تخدم إلا المشاهير وأصحاب المتابعات المليونية، وتجعل المؤلف الطموح بين مطرقة الناشر وسنديان التنازلات.