سعود البلوي
على الرغم من النجاحات الأخيرة في تقنية الذكاء الاصطناعي، تظل أدمغتنا العضوية أكثر مرونة وكفاءة من أي شيء ابتكره علماء الحاسوب حتى الآن، وبالتالي فإن الحوسبة العصبية هي محاولة لتقليد الدماغ البشري في الأجهزة.
يتم التساؤل إذا كان الذكاء الاصطناعي يحاكي الدماغ البشري بالفعل وهل هذه هي الفكرة وراء الشبكات الاصطناعية؟ إن الشبكات العصبية الاصطناعية تُستلهم بالتأكيد من شبكة الخلايا العصبية في الدماغ البشري.
وتتمثل أوجه التشابه بينهما بنموذج ANN وهو عبارة عن نموذج رياضي يتكون من عدد من الطبقات، كل طبقة تحتوي على عدد من الوحدات تسمى الخلايا العصبية، ويمكن لكل خلية عصبية أن تتلقى مدخلات من خلية أخرى، كما يمكن أن تتلقى الخلايا العصبية بالطبقة الواحدة مدخلات من الخلايا العصبية بأي طبقة أخرى، وتقوم بإرسال مخرجات إلى خلية أو أكثر في الطبقة التالية.
ترتبط الاتصالات بين الخلايا العصبية بالوزن، والمدخلات إلى الخلايا العصبية هي المجموع المرجح لجميع الخلايا العصبية المتصلة بها، وقيمة الإدخال هي مجموع مرجح لقيم الإخراج للخلايا العصبية، ويتم تحديد قيمة الإخراج بواسطة وظيفة التنشيط.
يتم تدريب هذا النوع من الشبكات العصبية من خلال إعطائها مدخلات، ومقارنة مخرجاتها بما ينبغي أن تكون عليه، ومن ثم تحديث أوزان الشبكة عبر خوارزمية تسمى (backpropagation).
الخلايا العصبية الحقيقية في أدمغتنا أكثر تطوراً قليلاً من هذا النموذج، فبدلاً من تمرير رقم واحد من خلية عصبية إلى أخرى تطلق الخلايا العصبية الفعلية جهداً أو ارتفاعاً كلما تم تنشيطها، يتم تنشيط الخلايا العصبية بواسطة طفرات من الخلايا العصبية الأخرى.
يتم التقاط سلوك الخلايا العصبية في نموذج رياضي يسمى الشبكة العصبية المتصاعدة، حيث تنتج كل خلية عصبية قطاراً شائكاً يغذي الخلايا العصبية عبر اتصال يسمى المشبك، تحدد هذه القطارات الشائكة تيار الاستجابة المشبكية للخلايا العصبية.
إن الشبكات العصبية المتصاعدة هي نسخة مبسطة من الأدمغة البيولوجية الحقيقية، ويتطلب تنفيذها بكفاءة أجهزة ذات ميزات خاصة، وهذا يعيدنا إلى الحوسبة العصبية ومعالج انتيل لويهي (Intel Loihi).
تم الكشف عن رقاقة لويهي (Loihi) الأصلية في عام 2017 كأكثر معالج عصبي الشكل تقدماً حتى الآن، تحتوي رقاقة لويهي (Loihi 131,072 ) خلية عصبية متصاعدة موزعة عبر 128 نواة عصبية.
تحتوي الرقاقة أيضاً على واجهات اتصال خارج الرقاقة وثلاث أنوية معالج دقيق لتشفير البيانات وإدارتها وتدبير شؤونها.
وهناك ميزتان بارزتان لبنية لويهي (Loihi) هما عدم التزامن والتوازي. لنبدأ بالأخير فدماغ الإنسان مليء بالخلايا العصبية التي تعمل فقط فيما يتعلق ببيئتها المحلية، معنى ذلك أنه لا يتعين عليها إحضار تعليمات من تجمع مركزي للذاكرة لتحديد ما يجب عليها فعله بعد ذلك.
وبالمثل فإن المعالجات العصبية مثل لويهي (Loihi) تنحرف عن بنية وحدة المعالجة المركزية التقليدية وتستخدم شبكة من الوحدات المتوازية لكل منها قدرة حسابية وذاكرة محلية.
أما بالنسبة لعدم التزامن فقد تم تصميم المعالجات التقليدية لتنفيذ سلسلة من التعليمات واحدة تلو الأخرى حتى لا يتبقى منها شيء، تعتمد سرعة تنفيذ التعليمات على سرعة المعالج.
لا يمتلك الدماغ البشري مثل هذه الساعة حيث تحدث الأفكار عندما يتم تشغيل الخلايا العصبية بواسطة النبضات الكهروكيميائية وتتبع الأجهزة العصبية هذا النموذج.
كل ما يحدث في شريحة عصبية يحدث لأن شيئاً آخر حدث أولاً، وبالتالي فإن الحساب العصبي هو قائم على الأحداث وليس على مدار الساعة أي غير متزامن.
تم إطلاق لويهي 2 (Loihi2) في عام 2021 والتي تعد أكثر كفاءة وسرعة من الشريحة الأصلية، كما أنها تدعم تطبيقات وخوارزميات عصبية جديدة. تحتوي هذه الرقاقة الجديدة مثل الأصلية على 128 نواة عصبية، لكن تم مضاعفة عدد نوى المعالجات الدقيقة من ثلاث إلى ست أنوية للقضاء على الاختناقات الموجودة في النظام الأصلي.
تم تصميم معظم الميزات الجديدة للويهي 2 (Loihi2) لمنح مرونة أكبر للباحثين في علم الأعصاب.
لا يكفي نموذج خلية عصبية واحدة لالتقاط ثراء أدمغتنا، التي تحتوي على العديد من الأنواع المختلفة من الخلايا العصبية المتخصصة، وهذه الحقيقة البيولوجية هي حقيقة تحاكيها لويهي 2 (Loihi2) الآن، على أمل التقاط سلوك عصبي أعمق.
بالنسبة لمستقبل الحوسبة العصبية فيتلخص في كلمة واحدة هي الروبوتات، وقد أثبتت شريحة لويهي (Loihi)الأصلية هذا، حيث يُظهر مقطع الفيديو من انتيل (Intel) هذا من خلال أحد العروض التوضيحية.
وهو روبوت بشري مجهز من لويهي (Loihi) يمكنه تعلم كيفية تصنيف الكائنات المختلفة. كما قام فريق آخر من الباحثين بدمج لويهي (Loihi) في ذراع آلية تجمع بين البيانات اللمسية والمرئية للتحكم في الأشياء وتحديدها.
بالمقارنة مع الأساليب التقليدية للتعلّم الآلي، من الواضح أن الحوسبة العصبية في مهدها. لكن ثلاث سنوات من لويهي (Loihi) أعطت نظرة ثاقبة لا تقدر بثمن، فلأول مرة في هذا المجال أصبح هناك رؤية كمية للمكان الذي تقدم فيه هذه الهندسة القيمة، والمبادئ التي يتم استكشافها أساسية للغاية بحيث يصعب تخيل أنها لن تشق طريقها إلى أنظمة الحوسبة المستقبلية.