مها محمد الشريف
مع نفاد سبل السلام في الحرب الروسية الأوكرانية يتعرض الجميع لتداعيات هذه الحرب، والصور التوضيحية تشير إلى مزيد من التعقيدات بوجود قاذفات قنابل روسية قرب حدود فنلندا لأول مرة، و تصعيد تشعله روسيا في أوكرانيا وتلويح جديد لاستخدام النووي، وهجوم مستمر دون توقف بعدما صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على ضمّ 4 مناطق أوكرانية واقعة تحت سيطرة الجيش الروسي بشكل جزئي أو بالكامل، وهي خيرسون وزابوريجيا ودونيتسك ولوغانسك خلال مراسم أقيمت في الكرملين. فهل تغيرت الحدود الروسية اليوم؟، وهل حققت مكاسب جيوسياسية؟.
علمًا أن نحو 70 بالمئة من ثروات أوكرانيا تتركز في هذه الأقاليم، فضلًا عن أنها تعد نقطة مهمة لشبكة المواصلات البرية والبحرية، التي تعبرها صادرات البلاد باتجاه البحر الأسود ومناطق الشرق الأوسط وغيرها، ومنطقتا زابوريجيا وخيرسون، تقعان داخل سهل أوروبا الشرقية، ولهما حدود مشتركة، فهل يعتبر ضم هذه الأقاليم نصرًا لروسيا؟.
من هنا، يمكن ترتيب هذه الأبعاد بدورها حول فهم حازم يسعى لإكمال الصورة للمشاهد في الداخل الروسي بأن الحرب مكاسب وليست دائمًا خسارة، بالمقابل هناك أحد أمرين إما النصر أو الموت وذلك بعد المجازفة الكبرى بالتلويح بالسلاح النووي، ضمن صيغة تلخص تمامًا خطورة التنافس الحاد بين الغرب وروسيا. بينما روسيا تجتهد لكسر هيمنة القطب الواحد في العالم، وتكشف دور الغرب في عزلها عن الملفات الدولية، والكل ينظر بما فيهم الولايات المتحدة لخطاب بوتين بأنه يعني نقطة ألا عودة.
لذا، يبدو كل شيء يعزز الحرب تعزيزًا كبيرًا، وكأنه يتجه نحو زيادة مضطردة في مساواة الطرفين وقابليتهما للاستبدال، والقصد بالطرفين أمريكا مع أوروبا ضد روسيا، والتطلع على هذا النحو جعل الأزمة تلتصق بها أحداث معقدة على أرض الواقع مهددة للسلم في العالم.
وهذا يرتبط ارتباطًا كليًّا بالمناخ السياسي الجديد، الذي اعتبره بوتن حدًّا فاصلًا بين الأمس واليوم، وأن الغرب هو من دبر انفجارات خط نورد ستريم الذي يربط بين روسيا وأوروبا، والذي نجم عنه تسرب الغاز في عدة مواقع، وقال إن «العقوبات لم تكف الغربيين، لذلك انتقلوا إلى التخريب».
ربما كان وثيق الصلة بذلك عطفًا على الوضع الراهن، مع ذلك تظل الأسئلة محاطة بإجابات مبهمة لوجود مسافات لا أحد يعلم حدودها، فماذا يمكن أن تكون المقتضيات والنتائج من هذه الحرب؟، والعالم منقسم بين تجنب الاندفاع نحو إصدار أحكام متعجلة، ويركز كل يوم عبر وسائل الإعلام على أن تصل القرارات الصائبة السليمة بتأنٍّ وتفكير راجح، والقسم الآخر يقف مع طرف ضد الآخر، ولكن الواقع يخبر بأن الحقائق كثيرًا ما تصطدم به على الأرض، فهل أصبح العالم يعيش قانون الغاب وتتطور الحرب وتتوسع بشكل تخرج فيه عن السيطرة؟.
هذا ما جعلنا نعود للقول إن العلائق السياسية تدرك وتعاش ملونة مبتعدة عن ذاتها، ولا تتوقف كثيرًا على ما لدى الأعضاء الفاعلين في المجتمع الدولي من وعي بها، فمن أعاق السلام لم يرد الاكتفاء بهذه الخسائر بل يطمح بالمزيد، فقد كان الأمر مقدرًا منذ زمن بعيد لهذه الحرب كما قال التاريخ، لذلك المهمة السياسية الروسية كان لها عواقب جسيمة انتهت بحشد 300 ألف شخص والانسحاب من مناطق إستراتيجية قد تستخدم الأسلحة النووية فيها، ويدرك بوتن تمامًا أن التهديدات التي يوجهها يمكن أن تكون قوية ضد سكان العديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى لردعهم عن التورط بعد حرب ضروس خسائرها كبيرة على روسيا وأوكرانيا وأوروبا.