د. عبدالحق عزوزي
تعقد هاته الأيام الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها السنوي حضورياً للمرة الأولى بعدما كان يُجرى عبر الإنترنت في العامين الماضيين بسبب أزمة وباء كوفيد-19 وفي غياب الرئيسين الروسي والصيني؛ ويلقي نحو 150 رئيس دولة أو حكومة خطاباتهم. ويغلب على هذا الاجتماع انقسامات تترى بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا وبسبب الكوارث المناخية (وآخرها ما وقع في باكستان من مجزرة مناخية قل نظيرها) وانعدام الأمن الغذائي العالمي والتخوف من المستقبل والانقسام والفقر وانعدام المساواة والتمييز.
وإذا كانت التوترات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا هي الطاغية في خطابات الرؤساء الغربيين بما في ذلك خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن هناك امتعاضاً من دول الجنوب من دول الشمال في مجال مكافحة التغيّر المناخي؛ فالدول النامية، تتحمَّل قدرًا أقل من المسؤولية عن الاحتباس الحراري ولكنها تعتبر أولى ضحاياه، وهي تكافح كي تفي الدول الغنية بوعودها بتقديم مساعدات مالية.
وقبل شهرين من مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ كوب27 COP27 في مصر، لم يكن مستغربًا أن يخصص غوتيريس جزءًا من كلمته لأزمة المناخ، وهو الذي جعل من تخفيف انبعاثات غازات الدفيئة إحدى أولوياته؛ ورأى في خطابه أن العالم في «ورطة كبيرة»، ويعيش أكثر من أي وقت مضى خطورة الانقسامات والعنف وأزمة غلاء المعيشة، مما ينذر بموجة من «السخط العالمي».
ولكن السؤال المطروح والذي يتداوله الخاص والعام هو إمكانية إصلاح الأمم المتحدة تبعاً لما يجري من أحداث متسارعة في الساحة الدولية. والجواب هو أن إصلاح الأمم المتحدة أمر صعب جداً..
فقد كانت هناك محاولات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة في عهد الأمناء السابقين للأمم المتحدة ولكنها باءت بالفشل الذريع، لأن الإشكالية التي تطرح تكمن في ضرورة «التمثيلية المتوازنة» داخل الأمم المتحدة. وهاته الإشكالية كلما طرحت إلا وخرجت إلى الوجود العديد من التساؤلات والإرهاصات التي توقف في المهد كل المحاولات الإصلاحية: فما معنى التمثيلية المتوازنة؟ وكيف يعقل أن تبقى الدول الخمسة التي خرجت فائزة من الحرب العالمية الثانية الممثلة الشرعية للأمم؟ وماذا عن تغير مفهوم القوة؟ وعن القدرات العسكرية؟ وهل يبقى مبدأ «العضو الدائم» مقبولاً في عصرنا هذا حيث إن الديمقراطية العالمية تفرض عكس هذا التوجه تماماً إذا أردنا أن نطبقه في العلاقات بين الأمم؟
ثم إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة. «بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب، بل غير ممكن ما دام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. فلا أخال دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية مستعدة لترك كرسيها لدولة أخرى مهما كان الثمن. ثم إن الدول البارزة التي تطالب منذ وقت بعيد بعضوية دائمة داخل مجلس الأمن (ألمانيا، اليابان، الهند، البرازيل، ودول أخرى) غالباً ما تتبعها ترشيحات مشروعة من دول أخرى: فترشح الهند، يثير باسم التساؤل التالي (لماذا لا أكون أنا مكانها؟) ترشح باكستان؛ كما أن ترشح دولة ألمانيا يثير لعاب إيطاليا وترشح اليابان غضب الصين. فالمزايدات ونوعية النظام الدولي تجعل كل المقترحات صعبة التحقيق، زد على ذلك ما يحكيه الدبلوماسيون المتمرسون داخل أروقة الأمم المتحدة من وجود بيروقراطية أممية يتدخل فيها فاعلون كثر من موظفين دوليين ودبلوماسيين وسياسيين ورؤساء جماعات الضغط ومنظمات غير حكومية ومستثمرون عالميون ووسطاء من كل جانب. فاستعمال المال وتحويل السياسات ليس بالأمر الغريب كما يكتب فيليب مورو دوفارج Philippe Moreau Defarges وخصوصاً أن الأمم المتحدة يناط بها عمليات التدخل العسكري وعمليات السلام وفرض العقوبات على دول ومناطق مختلفة في العالم..
وتبقى الأمم المتحدة مع ذلك رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هي المكان الوحيد الذي يجتمع فيه كل دول العالم والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الدولية الجديدة واحترام المبادئ الديمقراطية مهما كان الثمن..