(الثقافية) حاوره - علي القحطاني:
أثارت سيرة معالي وزير البترول الأول في المملكة عبدالله بن حمود الطريقي الاهتمام من الدارسين والباحثين والصحفيين ما بين غلو والاطناب في شخصيته إلى القدح والنقد ولم تسلم شخصيته من هجوم بعض الصحافة الغربية إثر عمله على توطين القطاع النفطي في البلاد وآخر كتاب صدر عن هذه الشخصية الوطنية النزيهة ما كتبه المؤلف د.عبد الله بن إبراهيم الطريقي بحكم الصلة والقرابة واطّلاع على تفاصيل حياته الذي تناول سيرة «معالي وزير البترول الأول في المملكة العربية السعودية عبدالله الطريقي (1337- 1418 هـ) قراءة تحليلية في فكره وسلوكه» وأجرت (الثقافية) لقاءً معه للحديث عن سيرة معالي الوزير عبدالله الطريقي ونشأته وحبّه وانتمائه لوطنه وقيادته وتفنيد كثير من الشائعات حوله، وكتب في بواكير شبابه عن سيرة المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله، وتحدث المؤلف عن دراسته وابتعاثه وعمله في مجال النفط بعد عودته من الدراسة والابتعاث ونال ثقة القيادة الرشيدة في المسئولية عن ملفات أرامكو والسعي نحو توطين قطاع النفط..
ما زلنا نستذكر سيرة معالي وزير البترول الأول في المملكة عبدالله بن حمود الطريقي وآخر كتاب صدر عن هذه الشخصية الوطنية النزيهة ما كتبه المؤلف د. عبد الله بن إبراهيم الطريقي الذي تناول سيرة «معالي وزير البترول الأول في المملكة العربية السعودية عبدالله الطريقي (1337- 1418 هـ) قراءة تحليلية في فكره وسلوكه» في لقاء أجرته «الثقافية» للحديث عن نشأته وحبّه وانتمائه لوطنه وقيادته وتفنيد كثير من الشائعات حوله، وفي اللقاء السابق تحدث المؤلف عن اهتمام الباحثين والمؤلفين والصحفيين للكتابة عنه، كما تحدث عن دراسته وابتعاثه وعمله في مجال النفط بعد عودته من الدراسة والابتعاث ونيله ثقة القيادة الرشيدة في المسؤولية عن ملفات أرامكو والسعي نحو توطين قطاع النفط.. وفي هذه الجزء نستكمل اللقاء بالحديث عن ابتعاده عن الأضواء بعد عمله الرسمي وأعماله في إنشاء وتحرير مجلة دورية تعنى بقضايا البترول والغاز الطبيعي وعن أيامه الأخيرة وعن مكتبته الذي أوصى أن تودع في دارة الملك عبد العزيز.
عمله بعد الإعفاء من الوزارة
) بقي في الوزارة سنة واحدة وأياماً معدودة، كان معالي الدكتور عبد الله الطريقي خلالها ملء السمع والبصر، حتى كانت الصحافة تبرزه في الصفحات الأولى في كثير من أعدادها بعد إعفاءه من الوزارة ماذا عمل بعدها؟
- كثير من الموظفين إذا ما انتهى عمله في الدولة، بتقاعد أو إعفاء أو استقالة فإنه يؤثر الراحة ويخلد إليها، مهما تكن سنه ونشاطه، أما صاحبنا، فهو بعكس ذلك تماماً، فقد واصل نشاطه بهمّة عالية، حتى بقيت سمعته العالمية كما هي في الوزارة، وافتتح مكتب استشاري في شؤون النفط في بيروت، ليباشر مهمات كثيرة، منها:
أ- إعداد الدراسات البترولية، والمالية، والمحاسبية.
ب- تقديم الاستشارات النفطية لحكومات الدول العربية وشركات النفط.
ج- إعداد دراسات علمية عن تنقيب النفط واستخراجه وتسويقه.
د- إقامة المؤتمرات والندوات في مجال النفط.
هـ- إلقاء المحاضرات لنشر الوعي النفطي.
وقد ساعده على ذلك مجموعة من الخبراء العرب الذين التفوا حوله، حتى كان المكتب أشبه بخلية النحل، فهذا موظف، وذاك باحث، وآخر مستشار، وآخرون مريدون ومتابعون، ومن الأسماء البارزة هنا: د. نقولا سركيس. ود. عاطف سليمان. وزياد بيضون وفريد بن كمال جنبلاط ومها كمال جنبلاط (زوجته).
مجلة البترول والغاز العربي
) لو تحدثنا عن مجلة (البترول والغاز العربي) الذي أشرف الراحل معالي الوزير عبد الله الطريقي على إصدارها؟
- صدر العدد الأول منها في شهر أكتوبر 1965م، وصدر منها مجموعة من الأعداد، وفي عام 1969م غير اسمها إلى (نفط العرب)، واستمرت بالصدور حتى عام 1979م، وكانت منبراً حراً لخبراء النفط، والمثقفين البارزين العرب، وقد اشتملت على معظم آراء الطريقي وفلسفاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وبرغم وجود تلك الأجواء والظروف المساعدة على انفلات الرأي، وكيل الاتهامات للحكومات ورجالات السياسة، ونشر الفكر الإلحادي، وبرغم وجود كُتّاب حول الطريقي من مختلف المشارب والتيارات المتضاربة، إلا أنه قد نأى بمجلته عن الدخول فيما يتعارض مع قيم الإسلام وثوابته، أو الدخول في مهاترات سياسية عقيمة أو التجريح الشخصي، مما يمكن معه تصنيف الطريقي بأنه كاتب وناشر ملتزم أو محافظ.
الرحيل والغروب
) ماذا عن الأيام الأخيرة من سيرة معالي الوزير عبد الله الطريقي وقصة وفاته خصوصاً وقفة سفارة خادم الحرمين الشريفين في القاهرة ونقل جثمانه إلى الرياض؟
- وما المرء إلا كالشهاب وضوئه
يحور رماداً بعد إذ هو ساطع
لقد صدق لبيد بن ربيعة الكلابي في تصويره للإنسان وحياته الموقوتة، ثم رحيله المفاجئ، أياً ما كان عمره، طويلاً أو قصيراً.
وهكذا كان الطريقي، وقصته مع الحياة، فبينما هو ملء السمع والبصر، وصوته وخطابه تسري بهما الركبان، وآراؤه النفطية والعروبية تجلجل المحافل الدولية، والملتقيات الفكرية والاقتصادية، إذ هو خبر من الأخبار، وقصة وفاته - رحمه الله تعالى - ليس فيها شيء جديد، فقد عانى في الأشهر الأخيرة من حياته من بعض العلل، كما عانى من ملل الفراغ والانحباس في البيت، الذي لم يعتده، حتى كان يتمنى أن يعود إلى مسقط رأسه ليعيش بقية حياته، في مزرعته بالزلفي، فقد بدأ يفقد وعيه بين حين وآخر، وأدخل مستشفى الصفا في حي المهندسين بالقاهرة.
وفي يوم الأحد السابع من سبتمبر 1997م لفظ أنفاسه الأخيرة.
إنما الموت منتهى كل حي
لم يصب مالك من الملك خلدا
سنة الله في العباد وأمر
ناطق عن بقائه لن يردا
وإلى الله ترجع النفس يوماً
صدق الله والنبيون وعدا
أما بقية قصة وفاته، مما يتعلق بوضعه في المستشفى وتغسيله، والصلاة عليه، وتشييعه ودفنه، فذلك له حديث مختلف، فزوجته «مها جنبلاط»، وابنته «هيا» كانتا تريان تجهيزه ودفنه بالقاهرة، حيث أعدت الزوجة قبراً لزوجها بجوار صديقه اللواء عبدالفتاح رحمي، وذهبت البنت إلى السفارة السعودية لتخبرهم بوفاة والدها، وتطلب الإذن بدفنه، أما الدكتور سليمان بن عبدالرحمن العنقري - الملحق الثقافي بالقاهرة حينها - فقد تبلّغ - كما يقول - من المستشفى بوفاة الطريقي، فهرع مسرعاً إلى المستشفى، ووجد زوجة الطريقي هناك، فسألها عمَّا ستفعله بالجثمان، فقالت: قد جهزت له قبراً، فسألها هل أوصى بذلك؟ فقالت: نعم، فطلب منها ما يؤكد ذلك، ولكنها لم تفعل، فاتصل مباشرة بالسفير السعودي وأخبره، فكتب السفير إلى وزارة الخارجية التي أبلغت على الفور سمو أمير منطقة الرياض حينذاك (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز)، كما تواصل الدكتور سليمان مع أخي الطريقي لأمه محمد بن حمد العنقري وآخرين، لمتابعة إنهاء الموضوع بالإمارة، حيث جاء التوجيه بنقل الجثمان للمملكة على وجه السرعة، فبدأت السفارة بإجراءات نقل الجثمان، وهنا طالت المفاوضات بين السفارة والزوجة وابنتها، وبقي الجثمان ثلاثة أيام بين قوالب الثلج، حيث لا تتوفر في المستشفى ثلاجات حفظ الموتى، لكن يبدو أن رأي السفارة السعودية كان هو الأرجح، فأخرج من المستشفى إلى المطار مباشرة، لتحط به الطيارة في وطنه (الرياض)، حيث الحنين المشترك بينهما.
على أن زوجته جنبلاط تنفي أنه كان لديها رغبة أو إصرار على دفنه بالقاهرة، بل المهم أن يدفن على وجه السرعة.
وربما كان لبعض أصدقاء الطريقي السعوديين كمحمد اللحيدان دور في إقناع العائلة بدفنه في الرياض.
هذا وقد أديت صلاة الجنازة عليه بعد صلاة العصر في جامع الراجحي، ودفن في مقبرة النسيم (شرقي الرياض).
وذلك يوم الأربعاء الموافق للعاشر من سبتمبر 1997م عن عمر يناهز الثمانين عاماً أو يتجاوزها بقليل، أنزل الله عليه شآبيب رحمته.
مذكراته
) هل كتب معالي الأستاذ عبد الله الطريقي مذكراته؟
- إن رجلاً بمثابة الطريقي، عاش معظم القرن العشرين؛ قرن المتغيرات والتحولات والثورات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ولم يكن شخصاً عادياً، بل كان رجلاً عصامياً ألمعيا مثقفاً، إن رجلاً مثل هذا لا بد أن تكون جعبته مليئة بالغرائب والعجائب والتجارب والخبرات الطويلة.
ولذلك كان كل من عرفه يتساءل هل كتب مذكراته، على غرار كثير من أهل الثقافة والفكر والأدب، وأصحاب التجارب العملية في ميادين السياسة والإدارة وغيرهما؟
غير أن الجواب باختصار، أنه لم يفعل، كما أكدت ذلك زوجته مها.
ويذكر كل من فهد العريفي ومحمد القشعمي، أنهما سألاه هل دونت شيئاً من ذكرياتك؟ فأجاب بعد تنهد: لا، لم أكتب شيئاً، بسبب كثرة الأشغال، لكنه أبدى استعداده للإملاء، والإجابة عن أي سؤال.
ونظراً لكثرة الصوارف لم يتمكنا من تحقيق هذه الأمنية.
أما الدكتور عبدالرحمن بن راشد العبداللطيف، فيذكر أنه لما رجا منه كتابة مذكراته اعتذر بأنه لا يستطيع أن يقول أو يكتب كل ما يريد، لئلا يَغْضَب الأصدقاء والمخالفون، وهذا من باب إيثار السلامة على حدّ قول الشاعر:
من سالم الناس يسلم من غوائلهم
وعاش وهو قرير العين جذلان
مكتبته
) يقال إنّه أوصى أن تكون مكتبته في دارة الملك عبد العزيز..؟
- إن شخصاً مثل الطريقي في ثقافته، وفي مركزه الاجتماعي، لا بد أن تكون لديه مكتبة عامرة بالكتب والمطبوعات والمجلات والوثائق المهمة ، وإن من يقرأ له أو يستمع إلى أحاديثه يدرك تماماً بأنه يقتني مكتبة متنوعة الفنون والعلوم، ومن حسن الحظ أن هذه المكتبة نقلت إلى دارة الملك عبدالعزيز بالرياض، لتكون في متناول الباحثين، ولتكون في مأمن من التلف أو الضياع، وقد قمت بزيارة لها يوم الثلاثاء الموافق للسادس والعشرين من ذي القعدة 1442هـ ، فرأيتها زاخرة بالكتب والمجلات المختلفة، سواء ما كان باللغة العربية، أو باللغة الأجنبية.
ومن أهم الفنون التي تشتمل عليها المكتبة العربية:
1- الإسلاميات، كمؤلفات مصطفى محمود،...
2- الأدب والشعر، كدواوين امرئ القيس، وعنترة، والأعشى، وجرير، وعمر بن أبي ربيعة، والمتنبي، وأحمد شوقي، وطاهر زمخشري.
3- وكتب في التاريخ.
4- وفي الإدارة، والإدارة القانونية.
5- وفي القانون.
6- إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية.
7- ومجلته (البترول والغاز العربي) والتي تحولت إلى (نفط العرب).
وكل أعدادها متوفرة.
8- هذا بالإضافة إلى مجلات أخرى عديدة.
9- أما الكتب المتعلقة بالنفط والاقتصاد، والسياسة، فهي الأبرز في هذه المكتبة.
** **
@ali_s_alq