الدرعية بلد يقع على ضفاف وادي حنيفة في العارض من بلاد اليمامة وسط الجزيرة العربية، وقد بدأ تاريخها الحديث في سنة850هـ حيث قدم مانع بن ربيعة المريدي من بلد الدروع المعروفة بالدرعية من نواحي القطيف على ابن درع وذلك عندما حل ببلده وباء وحمى وكان ابن درع رئيساً للدروع أو لطائفة منهم. وكان مع مانع المريدي أولاده ورجاله وأتباعه فأقطعه ابن عمه ابن درع المليبد وغصيبة وما بينهما وهي منطقة ضيقة لا تتجاوز مساحتها خمسة أكيال في عرض الوادي. ولكن هذه الهجرة صادفت قبولاً كما يقول ابن بشر فبورك لمانع في المال والولد فأخذ النمو والتطور يزدادان يوماً بعد يوم حتى أصبحت الدرعية الجديدة واسطة عقد هذا الوادي. وبسبب هذا التطور كثر جيران المردة من الموالفة وغيرهم.
وقد كان آل يزيد يسكنون المنطقة قبل ذلك ثم قل عددهم، قال الشيخ حمد الجاسر رحمه الله: آل يزيد من أقدم من عرف في العصور الأخيرة من بقايا سكان وادي حنيفة القدماء. واستدل بما ذكره الحموي في معجم البلدان في رسم: غائط بني يزيد قال: نخل وروض باليمامة، نقله عن ابن أبي حفصة. وابن أبي حفصة واسمه محمد بن إدريس من أهل اليمامة الخبيرين بها إذ أن له مؤلفاً عنها، فلعلها سميت نسبة إليهم.
وقال فلبي: وكان سكان وادي حنيفة وهم فرع من قبائل آل يزيد الحنفيين، يملكون واديهم كاملاً من ممر الحيسية حتى الخرج، وقد تنازلوا لابن درع قبل زيارة مانع بمدة قصيرة عن بعض أملاكهم.
وذكر المؤرخون أنهم باعوا سنة 850هـ العيينة لحسن بن طوق جد آل معمر. فقال الفاخري: في سنة 850هـ اشترى حسن بن طوق جد آل معمر العيينة من آل يزيد الحنفيين أهل الوصيل والنعمية ومن ذريتهم آل دغيثر ورحل من ملهم ونزلها وعمرها وتداولها ذريته من بعده.
ولم يتبق لآل يزيد إلا جزء من الوادي يمتد من شمالي غصيبة حتى الجبيلة، وكانت مناطق سكناهم الوصيل والنعمية. وقال ابن عيسى:» وكان ما فوق المليبد وغصيبة لآل يزيد من بني حنيفة وكان جميع الوصيل مما فوق سمحة لآل يزيد ومن الجبيلة إلى الأبكّين الجبلين المعروفين». وسبب هذه الإجراءات من تنازل عن جزء كبير من أملاكهم لابن درع وبيع العيينة لحسن بن طوق فقد يكون السبب أمراضاً فتكت بكثير منهم مما صعب معه القيام بالعمل في هذه الأراضي الشاسعة، أو بسبب حروب طاحنة. وفي نفس السنة (850هـ) قدم مانع بن ربيعة المريدي كما تقدم.
وأسباب منح ابن درع مع ابن عمه مانع المريدي إرادة ابن درع أن يتكثر ببني عمه من الدروع. وأن يجعل بني عمه درعاً واقياً له من آل يزيد الذين يملكون الوصيل وما فوقه من وادي حنيفة بينما يملك ابن درع حجر والجزعة وما فوقهما إلى محاذاة آل يزيد.
ثم تولى ربيعة بعد أبيه مانع فرغب في توسيع مناطق نفوذه فوقعت وقائع بينه وبين آل يزيد بسبب ذلك. ثم إن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي استلم الحكم من والده بالقوة فلجأ والده إلى حمد بن حسن بن طوق رئيس العيينة فبقي عنده وعالج ما لحق بدنه من جراحات بسبب مقاومته لولده. وما زال موسى بن ربيعه يزداد قوة فرغب في توسيع نفوذه فبدأت سلسلة من الهجمات على آل يزيد وجرح في إحداها جراحات شديدة، ثم هاجمهم بغتة بعد شفائه ومعه الموالفة، ولم يكن مع آل يزيد سلاح فقتل منهم ثمانين رجلاً ونجا الباقون. قال ابن عيسى:» وهي الوقعة التي يضرب بها المثل في نجد فيقال: صبحهم فلان صباح لآل يزيد».
وقد تولى محمد بن سعود الدرعية في 1139 هـ / 1727م، بعد مقتل أميرها زيد بن مرخان بن وطبان، وأسس الدولة السعودية الأولى بعد أن كانت شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي تعيش حالة من التفكك وانعدام الأمن مما أوجد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، إضافة إلى انتشار البدع والخرافات.
قام الإمام «محمد بن سعود» بالتركيز على استتباب الأمن ونشر الدعوة الإصلاحية داخل الدرعية وانضم الكثير للدولة مثل بلدة العُيينة، وحريملاء، وبلدة منفوحة، وبلدان العارض مثل العمارية، والقويعية، وشقراء، والحوطة، والمحمل، وثادق، والقصب، والفرعة، وثرمداء.
وبسبب التوسع الكبير حاربت الدولة العثمانية المعتدية الدولة السعودية وسعت لإسقاطها ففشلت الحملات في البداية، ثم أرسل القائد الشهير إبراهيم باشا قادماً من مصر عام 1818م / 1233 هـ,, إلى الدرعية وأمر بهدم أسوارها، وعمل على أسر الإمام عبد الله بن سعود - رحمه الله - وعدد كبير من عائلته وأنصاره بعد حصار دام ستة أشهر، وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى. لتنتقل العاصمة بعد ذلك إلى الرياض.
وقد اهتمت المملكة بالدرعية وتوج هذا الاهتمام بإعلان منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة أن حي الطريف في مدينة الدرعية موقع تراث عالمي. وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي باليونس كو في دورته الرابعة والثلاثين المنعقد في مدينة برازيليا بالبرازيل في 29 يوليو 2010م. ليصبح الحي الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي بعد اعتماد تسجيل موقع الحجر ( مدائن صالح، وفي 20 ديسمبر 2021 اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الدرعية عاصمة للثقافة العربية للعام 2030 لتصبح ثاني مدينة سعودية يتم اختيارها بعد الرياض في عام 2000م.
وأهم الأحياء الأثرية في الدرعية:
1. حي غصيبة، ويقع في أعلى وادي صفار على بعد 3 كم شمال حي المليبيد، ويتميز حي غصيبة بموقعه الاستراتيجي الحصين؛ إذ يقع على رأس جبل فيما يشبه رأس مثلث. يطل رأس هذا المثلث من جهة الجنوب على التقاء شعيب قليقل في وادي حنيفة ثم يأخذ في التوسع عند الاتجاه إلى الشمال نحو ظهرة ناظرة. وقد سكنه المردة في البداية ثم انتقلوا إلى حي الطريف.
2. حي الطريف، وفيه معظم المباني الإدارية في عهد الدولة السعودية الأولى، كقصر سلوى الذي تم إنشاؤه أواخر القرن الثاني عشر الهجري، وكانت تدار منه شؤون الدولة السعودية الأولى، وكذلك جامع الطريف الكبير، وقصر الأمير سعد بن سعود، وقصر الأمير ناصر بن سعود، وقصر الضيافة التقليدي الذي يحتوي على حمام، ويحيط بحي الطريف سور كبير وأبراج كانت تستخدم لأغراض المراقبة والدفاع عن المدينة.
3. حي البجيري، وفيه سكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبنى له الإمام محمد بن سعود ولتلاميذه مسجداً كبيراً وأماكن لإقامتهم، وصار منارة علمية للتعليم الديني واللغوي في ذلك العهد، وموقعه على الجهة الشرقية لوادي حنيفة، مقابل حي الطريف.
4. حي المُلَيْبِيْد يقع في الجهة المقابلة لمصب وادي صفار بوادي حنيفة وذلك في أسفل الدرعية من جهة الجنوب باتجاه عرقة.
5. حي سمحان، يتشكل حي سمحان من عدد من المباني الطينية التراثية، يقدر عددها (36) مبنى ذات طابق أو طابقين.
وقد اعتنى المؤرخون بإفراد الدرعية بمؤلفات خاصة، فمن أبرز المؤلفين والمؤلَفات :
1) أقدم الكتب المفردة عن الدرعية : كتاب (الدرعية العاصمة الأولى) لابن الدرعية المؤرخ الأديب الشيخ عبدالله ابن خميس -رحمه الله- ، وهو كتاب ماتع بأسلوب رائع وسرد مشوق.
2) أصدرت مكتبة العبيكان كتاب (الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى) لمحمد العيسى ويتميز بحسن الإخراج وجودة الصور وهو مختصر يناسب القارئ الذي يعشق المختصرات.
3) كتاب (الدرعية نشأة وتطورًا) للمؤرخ الدكتور عبدالله العثيمين رحمه الله له هذا الكتاب، ويتميز الدكتور باطلاعه الواسع على كتب التاريخ العربي والكتب المؤلفة بالإنجليزية للرحالة وزوار المنطقة.
4) الدكتور عثمان الصوينع كتب عن الدرعية هذا الكتاب الرائع بعنوان (العاصمة التاريخية للدعوة السلفية «الدرعية») والذي ينم عن اطلاع واسع. وصدر عن مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ/1999م.
5) كتاب من أصالة الماضي العريق والحاضر المجيد للدرعية، للباحث عبد الرحمن العبد اللطيف، وقد صدر في الرياض، الطبعة الأولى، 1996م. وفيه معلومات إضافية.
6) كتاب فخم بتقديم خادم الحرمين الشريفين وفقه الله للخير، للمؤرخ الدكتور راشد العساكر، بعنوان (تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية)، ويتميز بوثائق مهمة.
7) صمود وشجاعة أهل الدرعية ضد الحملة القادمة من مصر بقيادة السفاح إبراهيم باشا -أخزاه الله- كانت محلاً للبحوث الأكاديمية ، ومنها :
حملة إبراهيم باشا على الدرعية وسقوطها، للدكتورة فاطمة القحطاني من إصدارات دارة الملك عبدالعزيز.
بطولات وقائع معركة الدرعية الخالدة، تأليف الدكتور محمد السلمان.
التحصينات الخارجية الدفاعية للدرعية إبان عهد الدولة السعودية الأولى، للباحث سليمان الشهري.
8) دراسة بعنوان (مجمع الدرعية في عهد الدولة السعودية الأولى)، للباحث عبدالله المطوع، الجمعية التاريخية السعودية، الرياض، 1424هـ/2003م.وفيه فوائد مهمة .
9) بعض الكتب من إصدار جهات حكومية وهي للزائر والسائح وليست للمؤرخ، منها :
- امتداد قصر سلوى وقصر عبدالله بن سعود.
- الدرعية أصالة الماضي وإشراقة الحاضر.
- حمام الطريف وملحقاته.
- الدرعية والدولة السعودية الأولى، لويليام فيسي.
10) لهجة أهل الدرعية كانت محلاً للدراسة والبحث من الباحثة مشاعل الشبيب، بعنوان (ظواهر وألفاظ لغوية في لهجة أهل الدرعية)، وهو بحث لغوي رائع.
11) من البحوث المهمة عن الدرعية : مجلة الدرعية.
12) من الكتب التي تستحق القراءة وتتعلق بتاريخنا الوطني، وخاصة الدرعية كتاب (مجتمع الدرعية في عهد الدولة السعودية الأولى) للدكتور عبدالله المطوع..
ولا زالت الدرعية تستحق من الدراسات ما هو جديرة به، وأسأل الله العون على كتابة كتاب شامل مناسب للترجمة للغات الحية تناسب توجه المملكة في جعل الدرعية بلدة جاذبة للسياحة.
** **
- د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر