د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
سعت رؤية المملكة 2030 إلى تطوير القطاع المالي في السعودية باعتباره الركيزة الأساسية لانطلاق الرؤية وتحقيق أهدافها، واعتمدت في برنامجها على أن يكون القطاع المالي متنوعاً وفاعلاً يدعم تنمية الاقتصاد الوطني، فهو برنامج ضخم وطموح يمثل نقلة نوعية في تحقيق المسيرة الاقتصادية المتطورة من أجل تحقيق أهم أهداف الرؤية تنويع مصادر دخل وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار من خلال تطوير وتعميق مؤسسات القطاع المالي، وتطوير السوق المالية السعودية لتكوين سوق مالية متقدمة بما لا يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية للحفاظ على استقرار متانة الاستقرار المالي، وتندرج تحت مظلة برنامج تطوير القطاع المالي، عدة قطاعات فرعية مثل البنوك والتأمين والاستثمار وأسواق الأسهم والدين.
هدفت الرؤية إلى إبراز الموقع التنافسي المتميز للقطاع المالي السعودي في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي باعتبار أن السعودية في مجموعة العشرين، بما يتناسب مع حجم الفرص الاستثمارية الموجود في السعودية، وجعلها رافدا مهما في مسيرة النهضة، والتي تحققت بعد الإصلاحات التي قادتها رؤية المملكة لتعزيز دور القطاع الخاص بعد إطلاق فرص استثمارية لجذب المستثمرين لخلق التوازن المثالي بين كافة القطاعات المختلفة بعدما كان التركيز فقط على قطاعات محدودة.
من أهم الثمار التي تم قطفها من مبادرات رؤية المملكة قفز القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودي (تداول) من 540.1 مليار دولار في يناير 2019 إلى 3.05 تريليون دولار في أغسطس 2022 أي أكثر من خمسة أضعاف القيمة السوقية في 2019، لتحتل المركز الثامن بين أكبر البورصات العالمية من حيث القيمة السوقية بنهاية أغسطس 2022 بعدما أزاحت بورصة لندن ثاني بورصة تزيحها السعودية بعد خمسة أشهر من إزاحة بورصة تورنتو الكندية في أبريل من نفس السنة، بعدما ارتفعت القيمة السوقية للأسهم السعودية 16.2 في المائة، بينما تراجعت القيمة السوقية لبورصة لندن 22.6 في المائة، بعد ان كان ترتيب السعودية الـ18 ضمن أكبر بورصات العالم في عام 2020 بقيمة 71.3 مليار دولار، ثم قفزت إلى المركز العاشر في 2021 بعد إضافة أرامكو وأصبحت قيمتها السوقية 2.21 تريليون دولار.
بلغت قيمة إجمالي البورصات العربية نحو 4.5 تريليون دولار لنفس الفترة، فيما بلغت قيمة البورصات الخليجية نحو 4.16 تريليون دولار، ما يعني أن السعودية استحوذت على نسبة 73.3 في المائة من إجمالي قيمة البورصة الخليجية، ونحو 67.8 في المائة من إجمالي قيمة البورصات العربية، فيما تبلغ قيمة البورصات العربية غير الخليجية نحو 7.5 في المائة فقط، ما يعني أن مركز القوة الاقتصادية والمالية تتمركز في منطقة الخليج وبشكل خاص في السعودية.
بعدما كانت تطمح السعودية في رؤيتها التي وافق مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله على رؤية المملكة 2030 التي قدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في 25 أبريل 2016 في احتلال سوق الأسهم السعودي المركز العاشر على مستوى البورصات العالمية، لكنها تقدمت مركزين عن الهدف التي وضعته السعودية، وهذا يدل على أن الدولة تقوم بجهود حثيثة لتحقيق أهدافها التي وضعتها.
تؤثر ارتفاع أسعار الفائدة على أسواق الأسهم، وكذلك تؤثر على أسعار السندات والعائد على شهادات الإيداع بالبنك (CD) وسندات الخزينة، حيث توجد هناك علاقة عكسية بين أسعار السندات وأسعار الفائدة، فبمجرد ارتفاع أسعار الفائدة تنخفض أسعار السندات، والعكس، كلما زادت مدة استحقاق السندات زاد تقلبه وفقا للتغيرات في معدل الفائدة.
بمجرد أن يرتفع المعدل الخالي من المخاطرة يرتفع أيضا إجمالي الفائدة المطلوبة للاستثمار في الأسهم، لذلك إذا ما انخفضت مكافأة المخاطرة المطلوبة قد يشعر المستثمرون أن الأسهم أصبحت خطرة جدا سيضعون أموالهم في أماكن أخرى، لكن الانخفاض في السوق السعودي كان أقل من المتوقع، وأظهر المستثمرون تماسكا حد من التراجع في المؤشر، بسبب أن أساسيات السوق السعودية لديها قوة، بخاصة أنها تتركز في القطاع البنكي الذي يؤثر في مؤشر تداول، وكذلك أسهم الشركات العملاقة مثل أرامكو وسابك التي تتميز بنتائج إيجابية، مما يحد من التأثر بالأسواق العالمية، بسبب أن أسعار النفط عامل مهم يؤثر في الأسواق، إلى جانب خطط الحكومة لتعزيز الإنفاق في 2023.
وقد حققت السعودية نموا مرتفعا في 2022 مقارنة بالنمو في العالم، مما جعل السوق المحلية أفضل بكثير من الأسواق العالمية، في ظل تحسن أسعار النفط وسط خفض نحو مليوني برميل في 5 / 10 / 2022، يتزامن أيضا مع ارتفاع أرباح أرامكو بنهاية النصف الأول من 2022 بنحو 83.93 مليار دولار مقارنة بأرباح عن النصف المماثل من عام 2021 بنحو 45.07 مليار دولار، حيث أوضح صندوق النقد أن الاقتصاد السعودي نقطة مضيئة وسط الأزمات العالمية بعدما أصبح الاقتصاد العالمي قاتما ويمر بأوقات صعبة، وتوقع صندوق النقد أن تصبح السعودية من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، على أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 7.6 في المائة لعام 2022.