علم المفاهيم عند الإنسان العادي عادة صغيرة جداً حتى أن ما يظن إنه مهم لا يمتد عموماً إلى أبعد من مجال حاجاته الجسدية, وهو محدود بما يسميه بعض الفلاسفة الحياة دون الروحية، أي، الوجود البيولوجي الصرف.
ويتزايد يوميًا عدد الناس الذين تكمن قيمتهم الوجودية الرئيسة في الجسد، والأحاسيس، والذين يتطلعون فقط إلى متعة أنفسهم وإلى أن يكونوا مستهلكين، ويكرسون ما يتبقى لديهم من وقت لكسب المال الضروري لتمويل مغامراتهم. كما يبتغون الصحة، وأن تكون لديهم أسرة، وعمل جيد، وبيت، ويجب ألا ننسى التلفزيون، والسيارة، ومجسم جيد للصوت، والسفر حسب الرغبة لقضاء أيام العطلة.
إنهم يهدفون إلى «العيش بسلام» «لا تعترضهم أية مشكلات» وأن يكونوا محبوبين ومقبولين، هؤلاء الناس المتوسطون، الذين يشكلون الأكثرية، وصفهم خوزيه انجنيييروس «الإنسان المتوسط ظل يعرضه المجتمع، وهو أصلاً. ميال إلى التقليد، ومكيف تماماً للعيش في مجموعة كبيرة، تعكس الصيغ المكررة، التحيزات، والدوغماتية التي يقدر أنها مفيدة للاستدجان، ويتميز، بصورة رئيسية بتقليد كل من حوله: يفكر بعقول الآخرين ولا يمكنه أن يصوغ مثالياته».
واحدة من العقبات الرئيسة التي تعترض سبيل الإنسان العادي لتحسين نفسه أخلاقياً وروحياً هي قصوره العقلي الذي يمنعه من إدراك ضالته، لأنه يشعر بالاطمئنان معها حتى أنه يفتقر إلى أي نقد ذاتي. وكثيرًا ما يقوم بتقليد ملايين النسخ لشخصيته الخاصة إلى حد يظن معه أنه من غير الممكن أن يكون عدد كبير جداً من الناس على خطأ في أسلوب حياتهم أو طريقة وجودهم، فهو لا يقارن نفسه بمن هم فوقه ولكن بأمثاله. والإنسان المتوسط لا يريد أن يستمع إلى الحقيقة حول نفسه أو يتقبل تفاهته، وهو موقف يؤدي بإمكانيات الارتقاء إلى نهاية مبسترة. إن المقارنة بين صفات الفرد العادي وقابليات الشخص الذي يكمل نفسه يكشف عن هاوية لا قرار لها من الاختلافات التي تتكون، ببساطة، من اختلاف السجايا بين «إنسان خام» و»إنسان مصقول» ومن البديهي أن يكون للناس العاديين كل الحق في الحياة في أن يكونوا كما هم، ويجب ألا يخضعوا لظروف تجردهم من الأهلية بسبب وسطيتهم, الطفل صغيرًا أيضاً، ينبغي ألا يحلم أحد بلومه على ذلك، لأننا نعرف أنه سوف ينمو، ولكنها حقيقة أيضًا أن أكثرية كبيرة من الجنس البشري تتفق مع نموذج «الإنسان الناقص» الذي لا يهتم بـ»تحقيق الذات» بل يفضل، بدلاً من ذلك، القيام إلى ما لا نهاية ودون نتيجة بمطاردة أوهامه ونزواته وخيالاته. وهي ملاحقات لا تتوقف إلا عند مواجهته للموت. وهذا يضع على كاهل الإنسانية عبئاً ضخماً، أدبياً وأخلاقياً، لأن قلة من الناس ممن يتصرفون بهذه الطريقة ووصفناهم أعلاه يتحلون بمبادئ أخلاقية محددة بصرامة، ويمكن للقيم الأخلاقية العليا أن تكون مقبولة فقط من قبل من يعترفون بعيوبهم ونواقصهم، ويقاتلون في سبيل تحسين أنفسهم، ولكنهم لا يمكن أن يحققوا هذا الهدف إلا إذا عملوا أولاً، وبالشكل الملائم، على تصليب شخصيتهم وإرادتهم.