فضل بن سعد البوعينين
تتعامل المملكة بمسؤولية تامة مع ملف الطاقة، وتضع ضمن أهدافها الرئيسة تحقيق التوازن الأمثل لأسواق النفط، وتعزيز استقرارها، واستقرار الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية، ومحاولة الغرب تسييس ملف النفط؛ التزمت المملكة دائماً، بسياستها النفطية الثابتة والمسؤولة.
ومن خلال دورها القيادي في أوبك، وأوبك+ تحرص المملكة على حماية مصالح المنتجين العادلة بالدرجة الأولى، وأداء التزاماتها بأمانة تامة، مع الأخذ في الاعتبار مصلحة المستهلكين.
وكما أن للمملكة دوراً قيادياً في الأزمات التي تتطلب زيادة الإنتاج، وتعويض النقص الطارئ، فإن دورها يبرز أيضاً في الحد من فوائض النفط وحماية الأسعار.
اليوم، وبعد اتخاذ قرار خفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يومياً تواجه أوبك+ بضغط غربي، واتهامات باطلة بانحيازها لروسيا. وكالعادة، حظيت المملكة بالنصيب الأوفر من الهجوم الأميركي الممنهج، على الرغم من إجماع دول أوبك+ على قرار الخفض. يبدو أن قرار الهجوم المنظم عليها قد اتُخِذَ سلفاً، وقبل أن تصدر قرارات أوبك+ الأخيرة.
ففي 16 سبتمبر، بثت وكالة رويترز خبراً ذكرت فيه أنّ «الزعيمين الفعليين لمجموعة أوبك + المنتجة للنفط (روسيا والسعودية)، يعتبران 100 دولار للبرميل سعراً عادلاً يمكن للاقتصاد العالمي أن يمتصه»، إضافة إلى نشر بعض الأخبار المغلوطة لتكريس فكرة انحياز المملكة لروسيا. سمو وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، فنَّد خبر رويترز، ورد مباشرة على مراسلها بقوله: «في اليوم الذي نشرت فيه قصتكم لم يتحدث أي أحد من روسيا معي وأنا لم أتحدث مع أي أحد من روسيا». كان تصرفاً ذكياً من سمو الوزير، فقد كذَّب الخبر، ومصدره الوهمي، ونفى انحياز المملكة لروسيا، واعتبر تلك التهمة «مهينة وغير عادلة».
محاولة تسييس النفط، وإظهار السعودية بمظهر الانحياز لروسيا، وتحميلها مسؤولية ارتفاع أسعار الطاقة، بات هدفاً للساسة الأميركيين ومنظومتهم الإعلامية الموجهة. فالتركيز دائماً على النفط، دون التعرض لمصادر الطاقة الأخرى كالغاز الذي ارتفع بحدود 85 % والفحم الذي ارتفع بنسبة 109% منذ بداية العام، وهو هدف تكتيكي، إستراتيجي يحاولون من خلاله التغطية على إخفاقاتهم السياسية والاقتصادية المتسببة في ارتفاع الأسعار، بتحميل مسؤوليتها لطرف آخر وهو السعودية ومنظمة أوبك+، وشيطنتها، وتحويلها إلى عدو لأميركا وشعبها، بغرض تنفيذ مخططات إستراتيجية قذرة ضدها بعد شحن الرأي العام بالكراهية، وتهيئته لقبول أية إجراءات يمكن اتخاذها ضدهم مستقبلاً.
يربط بعض المختصين، مهاجمة الرئيس الأميركي ومجموعة من البرلمانيين ومنظومة الإعلام الأميركية للسعودية، باللعبة الانتخابية الدائرة بين الجمهوريين والديموقراطيين، وهو واقع، غير أنه يشكل نصف الحقيقة، أما نصفها الآخر فهو أكثر مكراً، وخبثاً. فمخططات أميركا التخريبية تجاه المملكة، والمنطقة ربما توقفت مرحلياً، غير أن أجندتها ما زالت باقية دون تغيير، ومن الحكمة النظر لعدائيتها الممنهجة من زوايا مختلفة، تتجاوز تداعيات ملف الطاقة، لتشمل المخططات الإستخباراتية الإستراتيجية المهددة للأمن، الاستقرار، الاقتصاد، والاحتياطيات السيادية.
معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، نفى استخدام المملكة النفط وتحالف أوبك+ كسلاح ضد الولايات المتحدة، أو أن تكون قد خفضت إنتاج النفط لإلحاق الضرر بها. وقال في مقابلة مع شبكة «FOX News» الأميركية إن «النفط في نظرنا سلعة مهمة للاقتصاد العالمي، الذي نمتلك فيه مصلحة كبيرة لكننا لا نقوم بتسييس النفط ولا القرارات المتعلقة به». تحرك إعلامي مهم واحترافي لوزيري الطاقة والشؤون الخارجية، أرجو أن يتم استنساخه وتنفيذه بشكل دائم لمواجهة الحملات المعادية.
رغم الحقائق، ستمضي الولايات المتحدة في تضخيم تهمة «تسييس النفط» ومحاولة تحميل دول أوبك+، وفي مقدمها السعودية، تبعات سياساتها الخاطئة، التي ألحقت ضررا بالاقتصاد العالمي، وبصناعة النفط الأميركية، وتسببت في تضخم أسعار الطاقة، وأثَّرت سلباً في معيشة الأميركيين، والأوربيين على حد سواء، ما يستوجب التعامل معها وفق إستراتيجية دبلوماسية، و إعلامية محكمة تغذّي الرأي العام الغربي بالحقائق والمعلومات الدقيقة، والمقارنات المبسطة، التي تفنّد ادعاءات ساسة الغرب، ومنظومته الإعلامية، وحملاتهم الموجهة، واتهاماتهم الباطلة.