د.فوزية أبو خالد
ما أشرس العشب
عندما يرشونه بالرصاص
***
«إنها مجرد فزاعة أيها العصفور»
***
انتهت وظيفتك أيها الحارس
فقد مات الخوف
***
المخالب لا تخدش الصخور
والشلالات البشرية لا تخشى الوحوش
****
البنت تذوب حياء
والذئاب تزداد وقاحة
ولكن مهسا أميني
ليست واحدة وليست وحدها
***
تستطيع أن تُكون ميليشيات توجهها للخارج
ولكن
لا تستطيع أن تحول الشعب كافة ضد الشعب
***
تنطبق الكثير من قصائد الومضة أعلاه على الحالة الإيرانية على وجه التحديد وإن تقاطعت مع أوضاع العتمة في الكثير من بؤر الهيمنة والاستئساد في العالم. فلا يصح اليوم -في رأيي- النظر السطحي إلى الانتفاضة الإيرانية والحكم السريع عليها بأنها مجرد فقاعة غضب لا تلبث أن تتلاشى أو أنها مجرد فورة شعبية مكونها البنات والطلاب والبؤساء ولن تلبث أن تنحسر كما يردد ذلك بعض المرضى باليأس. ويخضع أولئك في آرائهم المتسرعة تلك إلى ما يمكن تسميته بهيبة الخيبات أو الاستسلام الاستباقي إن صح التعبير، بل إن بعضهم يستشهد بالحالة الإيرانية أو ما سمي «بثورة توتر» و»بالثورة الخضراء» في الاحتجاج على نزاهة الانتخابات الرئاسية عام 2009 ونجاح قمعية النظام العسكرية في إخمادها، مقارنين بين قتل مهسا أميني على يد «بوليس الأخلاق» بمقتل ندا آغا سلطان بالرصاص الحي حينها على يد الباسيج.
وهم في محاولة تقديم مقاربة لتبرير مواقفهم المتحفظة من الانتفاضة الشعبية الجارية في الشارع الإيراني يشيرون إلى عادة دولة الملالي الطائفية في القدرة على مسح يدها الملطخة بدماء الشهداء الزكية في أضابر تحقيقات صورية ووعود كاذبة وتصريحات تطمينية تفرغ الحراك الشعبي من محتواه النبيل في الثورة على فساد النظام ونظام الفساد، وتختزله في حالة محدودة كما جرى تحجيم احتجاجات 2019 في ارتفاع أسعار الوقود لصرف الانتباه عن طبيعة ذلك الغليان الشعبي وفيض الكيل الجذرية.
غير أن تلك النظرة نحو الانتفاضات الشعبية في مثل الحالة الإيرانية الحالية وإن بدت أنها تتذرع بالواقعية وبعدم استطاعة «بيضة على ملاطمة جبل» وعدم إمكانية «فراشة من مواجهة تنين»، فإنها في الحقيقة تتخلى بقصد أو دون قصد، ولا أقول بتخاذل بالضرورة، عن اتخاذ موقف مبدئي واضح، صريح ولا لبس فيه يدعم وإن على صعيد معنوي مشروعية وحق انتفاض المجتمع الإيراني على اختلاف أطيافه عرقيًا وطبقيًا ومذهبيًا على نظام الدولة الأحادي الطائفي القائم والذي لم يكن ليبقى ما ينيف على أربعة عقود لولا اعتماده على ثنائية العنف الداخلي والعنف مع جواره الإقليمي.
ومن وجهة نظري أن ما يزيد اليوم من أهمية الدعم المعنوي بالكلمة والرأي للحق المشروع في الانتفاض الشعبي على نظام قهري كالنظام الثيولوجي الإيراني، بغض النظر عن عدم تكافؤ موازين القوى المعهود بين ريشة المقاومة وسلاح الطاغية، هو طبيعة اللحظة المعاصرة وثورتها التقنية وتعدد وسرعة نوافذ التواصل الاجتماعي التي لم يعد فيها أمر الرأي حكرًا على الجهات الرسمية التي قد يكون لها حساباتها السياسية والدبلوماسية في تبني أو إنكار مواقف بعينها تجاه الشأن الخارجي العام، فأصبح للمتابع العادي المجال لأن يرى الحق حق ويصرح به ما أسعفه العقل والضمير. ولهذا فلا أقل من أن ننكر على نظام إيران المعادي لشعبه ولجواره العربي عدوانيته ولا نبخل خوفًا أو استخفافًا بقيمة رأينا من الجهر بمشروعية حق المجتمع الإيراني في انتفاضته على أربعين عامًا من حصار الشعب الإيراني علماء وأدباء حالمين رجالاً نساء وأطفالاً ومواطنين بين مطرقة عدوانية النظام تجاهه داخليًا وبين استنزاف مقدرات البلاد المالية في الصرف على تربية الميليشيات لتنفيذ مشاريعه العدوانية في جواره العربي.
****
وأختم المقال بكلمة كتبتها في التعليق على تغريدة انتشرت عبر توتر للقطة من فيديو تصور أبًا يتخبط وجعًا وتفجعًا عند قبر ابنته الشابة بعد أن أغتيلت على يد نظام غاشم كما تظهر في أحد الأفلام، بينما الردود على تلك التغريدة تأرجحت بين القول بأنها لقطة من فيلم وبين قول أنها لقطة من واقع، وقد كتبت التعليق التالي:
«المحزن أن معاناة الشعوب والمجتمعات على أرض الواقع كما في إيران اليوم وسوريا ولبنان واليمن على يد الحوثي وسواها من البلاد المبتلاه بأنظمة لا يكفيها حرمان شعوبها من الهواء الطلق والعيش بكرامة وأمان بل تتمادى ولوغًا في دمائهم، قد صار أكثر سريالية من مسرح العبث، أشد قسوة وتراجيديا من المسلسلات والأفلام القديمة والحديثة معًا، وأفدح عتمة من قدرة الخيال على ابتكار نهايات سعيدة لأوضاع يبدو قهرها مستدامًا، وإن كان لابد لكل ظلم وظلام من آخر».
***
فالنقرأ قصيدة هايكو لشاعرة صينية:
امحو الفقر الجهل العجز القهر بقليل من الحبر
فتلك مخلوقات تموت في النور