م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - عبر التاريخ كانت دول العالم جزراً معزولة عن بعضها، والحدث مهما كان كبيراً ومؤثراً في بقعة ما من العالم لم يكن له أثر في أي مكان آخر في العالم.. لذلك كان تاريخ كل جزء من العالم مستقلاً منفصلاً لا رابط بينه وبين الأحداث في بقية أجزاء العالم.. لكن اليوم أصبح العالم فعلاً مكاناً واحداً إذا تأثر جزء منه تداعت له بقية الأجزاء.. لهذا لا يمكن لمؤرخ اليوم أن يكتب تاريخ جزء ما بشكل مستقل عن بقية الأجزاء.
2 - العالم أصبح اليوم كلاً واحداً مترابطاً متداخلاً يؤثر بعضه في بعض.. من هنا لا يهم التأريخ لجزء واحد من العالم إلا بقدر ما يتلاءم ويلتحم مع الآخر لتكوين عنصر مهم من تاريخ العالم في مجموعه.. فالمؤرخ المعاصر يجب أن يتعامل مع الأحداث من واقع أن العالم كرة أرضية ليس فيها مركز وأطراف.. بل هي كلٌ واحد بلا أطراف وهي كلها مركز.. فالعالم بدوله وقاراته في تداخل تام.
3 - المسائل التي تؤثر في تأريخ العالم استقر الرأي على أنها أربع وهي: الأولى الأحوال المعيشية (المادة، الاقتصاد)، الثانية الأفكار الكبرى ودرجة تفاعل المجتمعات معها واستجابتها لتوصياتها، الثالثة الأشخاص ومدى تأثيرهم في قيادة افراد تلك المجتمعات، وأخيراً الأحداث العظيمة التي أحدثت الأثر الذي بدوره أحدث التداعيات المؤثرة في المجتمع الذي وقع فيه الحدث والمجتمعات ذات العلاقة.
4 - المؤرخ المعاصر أمام مهمة أكثر صعوبة من سابقيه، فالمؤرخون السابقون كانوا مطالبين بالرصد، ثم زادت مهامهم مع الوقت بالتحليل.. وكانت دائماً مقتصرة على منطقة أو مجتمع واحد دون دراسة أو تحليل التأثير والتداعيات التي حصلت على المجتمعات الأخرى نتيجة لذلك الحدث الذي قدمه في تأريخه.. في القديم كانت مشكلة التأريخ هي قلة المعلومات ومحدودية المصادر وصعوبة الاتصال الذي يمكن من خلاله معرفة الأثر المحلي والخارجي لأي حدث تم تأريخه.. أما اليوم فإن المؤرخ يعاني من تعدد المصادر وكثرة المعلومات التي هي في جلها مصنوعة مكذوبة.. وإذا لم تكن مكذوبة فالمؤرخ يعاني من غزارتها فيقع في معضلة التحليل وربط الأحداث، وهنا تبرز مهارة ومعارف وقدرات المؤرخ.. والحقيقة الثابتة أن مهمة التأريخ لم تعد مهمة الفرد الواحد بل يجب أن تكون مهمة الفريق الواحد الذي كل عضو فيه يختص في مجال.. مهمة التأريخ أصبحت جهداً جماعياً منظماً متخصصاً ليس في إمكان فرد واحد الإحاطة به.
5 - المؤرخ في السابق هو في الحقيقة مؤرخ محلي مغرق في قوميته، هو في حقيقته إعلامي أكثر منه مؤرخا على الأقل في توجهاته القومية.. ومن الصعب مطالبته أن يكون مؤرخاً محايداً في حين أن مجتمعه هو الذي تعرض لذلك الحدث الذي أحدث الأثر العميق فيه.. فتحقيق الفصل بين ذات المؤرخ وموضوعه مطالبة تتجاوز الذات البشرية وضيق الأفق المحكوم بالولاء والانتماء.. من هنا فإن دراسة التاريخ الحديث لا يمكن أن تكون إلا إذا تمت دراسته على أنه تاريخ العالم وليس تاريخ منطقة أو مجتمع بعينه.