د. فهد بن أحمد النغيمش
حين تسير بجانب سوق من الأسواق أو بعض من المعارض والمحلات أو تقضي وقتاً في متابعة برنامج على شاشة تلفاز تفجئك عبارات رنانة ودعايات جذابة تسوّق لمنتج ما أو لسلعة معينة (لا تدع الفرصة تفوتك)! (فرصة العمر)! (فرصة لا تعوض)!!! تخفيضات - تنزيلات - عروض - سحوبات!! فقد تكون ممن تجذبه الإغراءات فيسارع للانقضاض عليها ويعتبرها من الفرص التي لا تعوض بل قد تنتهي بعد أيام، وهناك يعض أصابع الندم على فواتها وتفويتها ولسان حاله يقول: كنت أعرف، ولكنني لم أكن واثقًا. وآخر يقول: «لم أكن أتوقع أن تفوت مني بهذه السرعة». هنا يكمن الفرق بين من يستغل الفرصة في وقتها المناسب ومن يركض وراءها بعد أن تطير من يديه.
في حياة كل إنسان فرص متعددة وفق اهتماماته أو طموحاته أو حتى أمانيه، فالفرص قد تكون عملية أو علمية أو حياتية أو مجتمعية، وكلها تصب في إطار واحد وهو تحقيق رغبة أو هدف يسعى لتحقيقه، ترى لو أنك كنت ترغب في أن تخرج لرحلة صيد فماذا أنت فاعل؟ ألا تهيئ الوسائل من أولاً ثم تنتظر الفريسة؟ أم ترى أنك تنتظر قدومها ثم تبحث عن الوسيلة لصيدها؟
إن الفرق بين الناجحين في اغتنام الفرص والفاشلين في ذلك ليس في أن الناجحين يجدون فرصاً، والفاشلين لا يجدونها، بل إن الناجحين أسرع من الفاشلين في الاستعداد.
صحيح أن الفرصة ضبابية، وغير واضحة المعالم إلا أن الظروف المحيطة بها تكفي للكشف عن هويتها.. والمهم أن تفهم تلك الظروف مسبقًا، وأن تكون على أهبة الاستعداد لاقتناص الفرص فيها وتكون ممن يقفز إليها لا ممن ينتظر قدومها، وكما قيل (صاحب المبادرات يقفز على الفرصة كما يقفز الطير على الحب)، وهذا يعني أن عليك أن تتصرف تجاه الفرصة، وكأنها الأخيرة، ولا مجال لتكرارها.. لأن الفرصة عادة هي هكذا، فهي لا تعود..
الأخذ بزمام المبادرة هي إستراتيجية كل الناجحين، وهم لا يمتنعون من المغامرة لذلك.. ولكنها مغامرة إذا نجحت يكون فيها ما يكفيهم.. ثم لنفترض أنها فاتتك أو أضعتها فلا تحاول اللحاق بها لأنها قد لا تعود، ولكن حاول اقتناص فرص أخرى ثم اعلم أن الحياة لا تحتفظ بنوع واحد من الفرص، بل هي تختزن العشرات والعشرات ومن الأفضل إذا ضيعت واحدة أن تبحث عن أخرى، وفي مجالات جديدة.
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها
فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبها
فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
فن اغتنام الفرص واقتناصها منهج نبوي كريم رسمه لنا سيد البشرية ومنظمها صلوات ربي وسلامه عليه فقال: «اغتَنِم خَمسًا قبلَ خَمسٍ حياتَك قبلَ موتِكَ وصحَّتَك قبلَ سِقَمِك وفراغَك قبلَ شُغُلِكَ وشبابَكَ قَبلَ هَرَمِك وغناكَ قبلَ فقرِكَ»
فالفرص تحتاج إلى التخطيط الجيد، وكثيراً ما يدفعنا سوء التقدير وقلة الخبرة لتفويت العديد من الفرص المميزة في الحياة على حساب فرص أخرى أقل أهمية أو بسبب منطقة الراحة حيث تكون الأمور مستقرة وواضحة وخالية من المخاطر والتجارب الجديدة، ويعد الإقامة في منطقة الراحة عائقًا يحجب عنا كل ما هو جديد خارج هذه المنطقة ويسد كل فتحة أو نافذة تتيح لنا النظر إلى أشياء جديدة!
في تصوري لا يوجد شيء اسمه فرص ضائعة وأن فرص الإنسان هي التي اغتنمها في حينها فقط وأما تلك التي فاتته فهي في حقيقتها لم تكن مقدّرة له أصلاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «وما أخطأك لم يكن ليصيبك»، مثل هذا القول يقوّي الإنسان في عدم الاسترسال في النّدم المفرط والأسى على ما فات، قال الله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (23) سورة الحديد، ولأننا نفوس بشرية يعترينا الضعف ولا محالة سنشعر بالأسى والندم فيأتي كلام الوحيين ليضبط لدينا الأمر من دون إفراط ولا تفريط، إذن هنالك فرص ضائعة في حياة كل إنسان، لكن لنجعل من الأسى عليها حافزاً، ولنكن أكثر حرصاً ويقظة في اغتنام الفرص وطلبها.
نعم لفرص قد تكون في أثواب ملونة ومختبئة وقد تكون على هيئة منحة أو على هيئة مصيبة يريد الله منها لك خيراً أو يصرف بها عنك سوءًا فلا تندم على فواتها وأنت قد بذلت الأسباب، فلعل في فواتها خير لك وفي ذهابها عنك قدر أراده الله لك، فلن يصيبك من هذه الدنيا إلا ما كتب لك حتى لو قضيت العمر وأنت تبحث عنها، كل ما عليك يا صديقي أن لا يذهب عمرك في التحسر على ما مضى وابدأ حياتك بتفاؤل وقل: لئن غابت عني فرصة ففي الحياة متسع وبقية وقادم أيامي خير من ما مضى وسيكون أجمل وأفضل وأحلى، ثق بمن خلقك وخلق الفرص وأوجدها سبحانه عليه توكلنا وإليه أنبنا واليه المصير.