خالد أحمد عثمان
لعل من الطلي أن نبدأ هذه المقالة بذكر فائدة لغوية لغير المتخصصين وهي أن علماء اللغة العربية لا يجيزون تعريف (غير) بالألف واللام مع وجود المضاف إليه، فمثلاً لا يجوز قول (الغير الجادين) أو (الغير الصالحين) وإنما ينبغي أن يقال (غير الجادين) أو (غير الصالحين) ولكنهم أجازوا التعريف في حالة عدم وجود المضاف إليه فمثلاً يجوز القول (حقوق الغير) (أملاك الغير)، وترتيباً على ذلك فلا جناح علينا إيراد عبارة (عقارات الغير) في عنوان المقال.
ندلف من هذا المدخل إلى موضوع المقالة فنقول إن إيقاف السيارات أمام عقارات الغير سواء كانت منازل سكنية أو محلات تجارية يثير العديد من المشاحنات والمشكلات بين أصحاب هذه العقارات وأصحاب هذه السيارات، وقد تزداد المشكلات حدة إذا كانت بين جيران مما قد يترتب عليها مقاطعة الجار لجاره. ولأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، تصور أن يأتي صاحب الدار من عمله فيجد شخصاً آخر سواء من الجيران أو من غيرهم قد أوقف سيارته في الموقف الذي أمام داره فيضطر إلى البحث عن موقف وقد لا يجده إلا في مكان بعيد عن داره. وتصور أن شخصاً أوقف سيارته أمام باب دار غيره فمنع صاحب هذه الدار من سهولة الحركة في الدخول والخروج، وتصور أن يوقف شخص سيارته أمام بيتك ثم يغيب أياماً عديدة، وأنت لا تعرف صاحب السيارة، وهو بذلك يمنعك من إيقاف سيارتك أمام بيتك طوال مدة غيابه. وتصور لو أنك أقمت مظلة واقية من الشمس بجوار منزلك لإيقاف سيارتك تحتها ثم تجد جارك يسبقك إلى وضع سيارته تحت هذه المظلة. وتصور لوكنت صاحب محل تجاري ويوجد موقفان أمامه ثم جاء شخص فأوقف سيارته أمام محلك ثم ذهب إلى مكان آخر بعيد ثم يأتي زبون فلا يجد موقفاً فيضطر إلى المغادرة والبحث عن محل آخر مما قد يؤثِّر على حركة نشاط المحل التجاري.
هذه التصورات وهي نابعة من الواقع تثير التساؤل حول موقف القانون إزاء المشكلات التي تنشأ عنها. نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات بالإشارة بإيجاز إلى ما نقلته بعض الصحف المحلية من آراء قانونية في هذا الشأن وذلك على النحو التالي:
1 - قال بعض القانونيين إنه ليس لملاَّك أو شاغلي العقارات السكنية والتجارية الحق في منع غيرهم من إيقاف سياراتهم أمام تلك العقارات لأن حق أصحاب هذه العقارات محدد بحدود تلك العقارات المدونة في صكوك التملك، وأن المواقف الملاصقة أو المحاذية لعقاراتهم هي جزء من الطريق أو الشارع العام وبالتالي هي مباحة للجميع ولذلك لا يجوز وضع حواجز أو لوحات (عدم الوقوف) أمام المنزل أو المحل التجاري.
2 - صرح متحدث باسم إحدى الأمانات بأنه ليس من حق أصحاب العقارات إغلاق المنطقة المحاذية لها لمنع إيقاف سيارات غيرهم لكون الشارع حقاً عاماً وليس في حدود ملكية أصحاب هذه العقارات، وأن من يفعل ذلك ستطبّق عليه عقوبة بقيمة (3000) ريال، استناداً إلى المادة (3-29) من جدول المخالفات والجزاءات البلدية التي تنص على أن أي مخالفة لأنظمة واشتراطات الطرق والشوارع لم تحدد لها عقوبة تكون عقوبتها بقيمة (3000) ريال، بالإضافة إلى ذلك يلزم صاحب العقار بإزالة الحواجز التي وضعها أمام عقاره.
3 - رداً على شكوى مواطن من إيقاف الغير سيارته أمام بيته، قالت الإدارة العامة للمرور إن وقوف المركبات أمام منازل أشخاص آخرين لا يعد مخالفة مرورية إلا إذا تسبب بإقفال مداخل ومخارج (الكراجات) وما عدا ذلك يعد من السلوكيات الخاطئة.
تلكم بإيجاز ما تداولته بعض الصحف المحلية من آراء حيال هذه المشكلة. ولي حيالها وجهة نظر قانونية مغايرة، أسردها كما يلي:
1 - لا جدل أن سلطة مالك العقار في التصرف والانتفاع بعقاره يتحدد نطاقها بحدود ملكيته إلا أن الشريعة الإسلامية والشرائع المقارنة قررت حقوقاً أخرى تتجاوز حدود هذه الملكية، في حالات معينة وهي التي تُسمى (حقوق الارتفاق) والارتفاق في اللغة هو الاتكاء على مرفق اليد، ويطلق على ما يستعان به. والمرفق من الأمر هو ما ارتفقت به وانتفعت به، ومنه قوله تعالى: {ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}، أما في الاصطلاح الشرعي والقانوني فهو حق مقرر على عقار يُسمى (العقار الخادم أو المرتفق به) لمنفعة عقار آخر مملوك لغير مالك العقار الأول، ويُسمى (العقار المخدوم أو المرتفق) وحقوق الارتفاق عديدة ومتجددة وأبرزها حق الشرب وحق المجرى وحق المسيل وحق المرور وحق المطل. ولسنا هنا بصدد شرح أنواع حقوق الارتفاق ولا شرح أحكامها وإنما نشير فقط إلى معنى (حق المرور) كنموذج إيضاحي، ومقتضاه يكون لمالك الأرض المحاطة من كل جانب والتي لا منفذ لها إلى الطريق العام حق المرور في الأرض المجاورة للوصول إلى الطريق العام. وفي القانون المقارن يجب على صاحب العقار المحصور أن يدفع لصاحب الأرض المجاورة مقابلاً مالياً كتعويض يتناسب مع الأضرار التي يمكن أن تحدث جراء ذلك.
وترتيباً على ما سبق يمكن القول إن العرف قد أطرد بأن يكون لأصحاب العقارات السكنية والتجارية حق ارتفاق بوقوف سيارتهم على الحيز المحاذي لعقاراتهم من أرض الطريق أو الشارع العام بالقدر اللازم لإيقاف سيارتهم في هذا الحيز، وبالتالي من حقهم منع غيرهم من إيقاف سياراتهم في هذه المساحة المحاذية لعقاراتهم.
والعرف في الشريعة الإسلامية حجة لإثبات الأحكام الشرعية طالما لا يخالف نصاً شرعياً لقول الحق سبحانه وتعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن). وكثير من العقود والمعاملات جرى جوازها بناءً على العرف مثل عقود السلم والاستصناع. وقد استند القضاء السعودي في بعض أحكامه على العرف، ووجدت سابقة قضائية تسند وجهة نظري حيال هذا الموضوع، تتمثَّل في حكم من إحدى المحاكم الجزائية برقم (34304322) وتاريخ 22-08-1438هـ ومؤيد من محكمة الاستئناف قضى بمنع المدعى عليه من إيقاف سيارته بمحاذاة منزل المدعي وقد استندت المحكمة إلى العرف الذي يخول صاحب العقار الحق في إيقاف سياراته بمحاذاة منزله ولا يتجاوز بالوقوف حدود منزله حسب العرف.
نأمل أن يتدخل المشرع بتنظيم حق ارتفاق الوقوف بأحكام يضيفها إلى نظام المرور ويحدد الجزاء المناسب لمخالفتها.
** **
(*) محام وكاتب سعودي