د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الحقيقة لا تتغير مع مرور الزمن، أما النظرية فإنها تتغير وتتطور بتطور المعطيات التي يمكن الوصول إليها من خلال البحث والملاحظات، وأيضًا اتباع الخطأ والصواب حتى الوصول إلى نظرية تكون أقرب إلى الحقيقة، ولكن لا يعني أنها الحقيقة، ولهذا ونحن في زمن تكثر فيه النظريات أن نتوخى الحذر في أخذ النظريات حقائق ونتعامل معها كذلك، ونبني عليها معتقدات علمية وإيمانية واجتماعية وسلوكية، وحتى تربوية، تؤثر على بناء الإنسان والمجتمع، وعلينا التريث قبل الحكم على تلك النظريات، والأخذ بعين الاعتبار أهميتها وفائدتها في حل الكثير من المشاكل.
لنأخذ مثلاً بداية نشأة الكون ونظرية الانفجار الكبير، التي تقول نظريته بأنه حدث قبل أكثر من ثلاثة مليارات سنة، وأنه بدأ من نقطة متناهية الصغر هائلة الكثافة، انفجرت وتناثرت وأخذت في التوسع، واستمرت عبر ملايين السنين في ذلك التوسع وما زالت حتى يومنا الحاضر، وقد بردت تلك الغازات المنبعثة لتكون المجرات الهائلة العظيمة وأخذت الجاذبية تلعب دورها في تناثر المجموعات، وما زال ذلك الكون في توسعة، وفي تغيره، وسيستمر كذلك إلى أمد زمني غير معلوم. هذه نظرية وليست حقيقة، وعلينا أن نقف عند هذا الحد.
إن كانت هذه النظرية أقرب للصواب فهذا إثبات مطلق أن هناك خالق عظيم يدبر الأمور ويسير الأكوان ويضع القوانين الكونية والإنسانية التي قد يستفيد منها الإنسان والحيوان والجماد، وتلك الفراغات الهائلة بين الأجرام السماوية تخضع لنمط فيزيائي دقيق صنعه وخلقه الباري عز وجل لحكمة بالغة لا يعلمها إلا هو سبحانه جلت قدرته.
الأرض كما يقول العلماء في نظريتهم أنها تكونت قبل أكثر من أربعة مليارات ونصف المليار سنة، وتقول النظرية إن القمر قد انشق من الأرض، وخواصه الجيولوجية مشابهة لخواص الأرض وليس للأرض قمر آخر غير القمر الذي نعرفه، يدور حول الأرض وهذه حقيقة ثابتة وأن الأرض تدور حول الشمس وأن الجميع يدور حول المجرة وهذه حقيقة، والنظرية تقول إن المجرات تدور أيضًا في كون سحيق لا يعلم مداه إلا الله.
وفيما يخص الأرض وما مر عليها من تطورات ومن مخلوقات قسم علماء التاريخ الطبيعي الأمد الطبيعي الجيولوجي إلى حقب أربع وهذه نظرية، ما قبل الكمبري تلك الحقبة امتدت من ثلاثة آلاف ومائتي مليار سنة إلى قبل أكثر من خمسمائة سنة من وقتنا الحاضر، وفي هذه الحقبة أنشأ الله مخلوقات بدائية من الطحالب والفطريات والرخويات البحرية في الوقت الذي كانت فيه الكرة الأرضية تتعرض للكثير من البراكين وبعد ذلك خفت ثورة تلك البراكين وأخذت الأمواج تدفع الرخويات البحرية والطحالب والبكتريا إلى القشرة الأرضية، وعملت هذه الميكروبات على تفتيت التربة واستمرت الحال على ما هي عليه إلى أن جاء وقت قريب في عمر الزمن وهو خمسمائة وأربعون مليون سنة من الآن، حيث بدأ الانفجار الحيوي الكبير، وتعددت الحيوانات والنباتات، وانتشرت انتشاراً كبيراً، وقد تم التعرف على ذلك من خلال الطبقة الأرضية التي نشأت في تلك العصور القديمة، والتي حفظت على شكل متحجرات وهياكل عظمية وأشجار متحجرة من تلك الكائنات، وإن كانت هذه مؤشرات تقرب إلى الحقيقة، لكنها ما زالت نظرية لا يمكن الاعتماد عليها كحقيقة مطلقة، لأن الحقيقة تحتاج إلى يقين، كما هي حال سرعة الصوت أو سرعة الضوء أو حركة الشمس والقمر.
تقول النظرية أنه قبل ثلاثمائة مليون عام تقريبًا ظهرت الزواحف والأسماك، وظهرت أيضًا الحشرات المجنة العملاقة، وأشجار السرخس الكبيرة، وكانت الضفادع في حجم العجل، وقد وجدت حيوانات من هذا النوع متحجرة في طبقات رسوبية حافظت عليها إلى أن استطاع الإنسان أن يتعرف على تلك المخلوقات، ويرسمها في ذهنه بشكل تقريبي وليس مطلقًا، وهنا الفرق بين النظرية والحقيقة، وأيضًا حقبة الحياة الوسطى ظهرت فيها الديناصورات التي امتدت بوجودها من قبل مائتين وخمسين مليون سنة من الآن إلى خمسة وستين مليون عام، حيث انقرضت وهي كبيرة الحجم ومعروفة وبقيت بعض هياكلها كما هي، حيث حفظتها الثلوج وغيرها، وتقول النظرية إن الطيور والحشرات ظهرت قبل ذلك وبعده، ولكن الإنسان وُجد قبل مليون وثمانمائة ألف عام، ولا شك أن الإنسان تطور تطوراً عبر هذه المدة الطويلة.
الإنسان العاقل وهو الإنسان الحالي تطور واستطاع أن يسخر هذه الأرض لخدمته بما ينفعه وينفع البيئة والطبيعة والحيوانات، لكنه أيضًا أساء إلى ما حباه الله من الطبيعة في تصرفه غير المتوازن في ثرواتها، وفي التعامل معها، والإخلال بالتوازن الطبيعي، والبيئة الموجود بها، ولكن الأعظم والأدهى والذي أخشاه شخصيًا تطويره للصناعات الحربية الفتاكة ومنها القنابل الذرية، التي قد يستخدمها في يوم من الأيام لتنتهي البشرية الحالية، وما بالأرض من موارد طبيعية لتنقرض كل المخلوقات، واحتمال وقوعها حقيقة وليست نظرية.