عندما تسنَّم سمو ولي العهد -حفظه الله- مقاليد وزارة الدفاع والطيران سعى إلى تطويرها وإعادة هيكلتها وفصل إداراتها وترشيد النفقات وتكريس مبدأ الشفافية والمحاسبة والكثير الكثير.
واختار لتنفيذ هذه الرؤية قيادات شابة ومؤهلة وقادرة على العطاء والخلق والابتكار ومواكبة رؤيته الطموحة.
وكان -حفظه الله- أن أسند قيادة القوات البحرية إلى ضابط قيادي كفؤ ومؤهل تأهيلاً عالياً وهو معالي الفريق الركن/ فهد بن عبدالله الغفيلي.
جاء معالي الفريق بأفكار كثيرة، أفكار طموحة وخلاقة ومبدعة ليس هنا المكان للحديث عنها وإنما الحديث عن أحدها وهي رغبة معاليه في: حفظ وكتابة تأريخ القوات البحرية الملكية السعودية وفي كتاب يوثّق قصة نشأتها وتطورها، ويكون متاحاً للقارئ العادي لمعرفة هذه القصة المشرقة.
كنت قد تقاعدت منذ ستة عشر عاماً، لكن معاليه استدعاني كصديق وكزميل وكضابط بحري سابق وطرح علي فكرته ورؤيته وحلمه في أن يرى قصة البحرية الملكية السعودية موثقة في كتاب يرصد نشأتها وتطورها وأيضاً يكون هذا الكتاب متاحاً للقارئ العادي والذي يريد أن يعرف هذه القصة ويفخر بها وكذلك للباحثين والدارسين.
لماذا استدعاني معاليه؟ ليس لأني الأفضل، وفي القوات البحرية الكثير جداً من هو قادر على القيام بهذا العمل، ولكن ربما لأني أيضاً كاتب وقاص وراو ولي ما يربو على عشرة كتب وأبحاث أخرى، وأيضاً دارساً للتأريخ العسكري ومؤهلاً في هذا المجال.
وكان هذا شرفاً كبيراً لي في أن أسدد ولو جزءاً يسير من أفضال القوات البحرية علي، ووافقت على الفور.
وبدأنا العمل أنا وفريق كلفهم معاليه للقيام بهذا العمل، وقدّم لنا كل العون والدعم اللا مشروط.
كانت المراجع في هذا المجال تكاد تقترب من الصفر، لذلك بدأنا أنا وفريق العمل بالبحث والتنقيب في الوثائق المتوفرة، في الدوريات والمراجع الأجنبية والمحلية، وفي إجراء مقابلات مع الضباط القدامى الذين عاصروا ميلاد الحلم الأول. حلم ميلاد القوات البحرية على هيئة مدرسة صغيرة في أحد المباني بمطار الظهران القديم، حتى أصبحت اليوم واحدة من أفضل البحريات الإقليمية تطوراً وعدداً وقدرة على حماية مياه المملكة العربية السعودية وجزرها وسواحلها وثرواتها الغنية، وفي تأمين الممرات والمسارات البحرية وبالمشاركة مع باقي أفرع القوات المسلحة الأخرى وتحت قيادة القائد الأعلى لكافة أفرع القوات المسلحة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله.
وقد مزجنا ما استمعنا إليه (بعد تدقيقه) وما توصلنا إليه من معلومات مع خبرتي الشخصية كمعاصر لجزء كبير من تطور القوات البحرية وكقارئ قرأ الكثير في هذا المجال إضافة إلى تأهيلي الأكاديمي وفي أرقى الجامعات العسكرية المتخصصة.
وبحمد الله وبعد ما يقرب العام أصبح الكتاب جاهزاً للمراجعة والتدقيق من قبل كل الجهات ذات العلاقة، قبل أن تصدر الموافقة على طباعته، وطبع وصدر في حلة أنيقة توازي الجهد الذي بذل.
وفي اعتقادي أن الكتاب إضافة مهمة في مجاله وتخصصه ولكن لا هذا لا يمنع من الإشارة إلى خطأ ربما غير وقع فيه المشرفون على تنفيذ الكتاب عندما وصف بأنه (جمع) وفي الحقيقة أنه ليس جمعاً أو تجميعاً وإنما هو ملكية فكرية خالصة وخاصة (وهناك فرق كبير بين المعنيين) وهو ما أتمنى تداركه في الطبعات القادمة.
وقد حرص فريق العمل على أن تكون لغة هذا الكتاب سهلة ومباشرة وأن تبتعد عن اللغة التقنية وأن لا يحتوي على أي معلومات مصنفة.
ولم يغفل الفريق في كل مراحل الكتاب التأكيد على قدرة الإنسان السعودي، قدرة أبناء الصحراء والذين لم ير بعضهم البحر من قبل في التفوق وقيادة وإدارة أكثر السفن والطائرات والمنظومات تقدماً وكل هذا بفضل الله ثم بفضل العمل الجاد والمدروس والأخذ بأحدث النظريات في هذا المجال.
قصة البحرية الملكية السعودية قصة جميلة بدأت منذ أن ركب الملك المؤسس -رحمه الله- البحر ليلتقي الرئيس الأمريكي روزفلت على المدمرة الأمريكية (كونسي) واستمرت وكبرت حتى عهد ملك الحزم الملك سلمان وولي عهده -حفظهما الله- وهما يضيفان كل يوم لبنات وسفنا ومشاريع للقوات البحرية ولباقي أفرع القوات المسلحة.
الكتاب صدر عن دار العبيكان في هيئة جميلة وورق صقيل وهو كتاب جدير بالاقتناء والقراءة.
** **
- عمر محمد العامري