د. فهد بن عبدالله الخلف
تعدّ منظومة حازم القرطاجني (ت684هـ) من المنظومات النحويّة التي لم تحظَ بالشرح والتحشية والتنكيت -بحسب اطّلاعي- ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ صاحبَها حازمًا القرطاجني لم يكن معدودًا من النحويّين، وإنّما كان مصنّفًا ضمن نقدة الأدب، وذلك بسبب شهرة مؤلّفه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء)، ولأنّ هذه المنظومة غير شاملة للقضايا النحويّة كلّها، فقد أغفلت ذكر طائفة كبيرة من الأسماء والأفعال المبنيّة، وبعض التفصيلات النحويّة. وهذه المنظومة الميميّة من البحر البسيط، وهي مصنّفة إلى عدّة موضوعات كالآتي: ستّة وعشرون بيتًا للمقدّمة التي تضمّنت مدحًا لأمير المؤمنين أبي عبد الإله والي إفريقية، ثمّ بيتان في الحمد والثناء، ثمّ بيتان في نظم النحو، ثمّ أربعة أبيات في حدّ الكلام والنحو، ثمّ أربعة أبيات في تقسيم الكلام، ثمّ تسعة أبيات في المبنيّ والمعرب، ثمّ أربعة أبيات في أصناف العوامل النحويّة، ثمّ تسعة أبيات خصّصها لما يرفع الأسماء، ثمّ بقيّة الأبيات في أبواب نحوية متفرقة تنتظم المنصوبات والمجرورات والمرفوعات في الأسماء والأفعال، ومن البيت السابع والتسعين بعد المئة حتى نهاية المنظومة كان مخصّصًا للحديث عن المسألة الزنبورية(1)، والسبب الذي دفعني إلى الكتابة حول هذه المنظومة أمران هما: الأوّل: التعريف بهذه المنظومة إذ إنّها غير مشهورة -بحسب معرفتي- عند متخصّصي النحو ودارسيه، والثاني: الاضطراب في تحديد عدد أبياتها، وذلك جليّ في قول الدكتور فخر الدين قباوة في تحقيقه لمغني اللبيب: حيث ورد في تعليقه على نظم حازم القرطاجني للمسألة الزنبوريّة «ومنظومته هذه في 1000 بيت لا 220 كما ذكر المحشّي، مدح بها والي إفريقية»(2)، ويقصد بـ(المحشّي) الدكتور عبد اللطيف الخطيب الذي حقّق مغني اللبيب قبله. وبالعودة إلى تحقيق عبد اللطيف الخطيب للمغني نجده يعلّق بما يأتي: «وذكر الدمامينيّ (ت827هـ) ما يثبت أنّه أنشد من هذه القصيدة نحو مئتين وعشرين بيتًا»(3).
يفهم من تعليق عبد اللطيف الخطيب أنّه لم يحصر أبيات منظومة حازم القرطاجني بمئتين وعشرين بيتًا، بل نقل عن الدماميني أنّه أنشد منها نحوًا من مئتين وعشرين بيتًا. وأيضًا لم يكن فخر الدين قباوة دقيقًا في تعليقه على عدد أبيات المنظومة.
وقد كان عبد اللطيف الخطيب مصيبًا في ذكر العدد التقريبي لأبيات المنظومة الميميّة في النحو للقرطاجني (نحو 220 بيتًا)، فهي تقع في مئتين وسبعة عشر بيتًا كما جاء في ديوان حازم القرطاجني(4)، ويقول محمّد بن الحبيب خوجة: إنّ القصيدة النحويّة الميميّة لحازم القرطاجني تتألّف من تسعة عشر ومئتي بيت، وهي من البحر البسيط، ويغلب على ظنّه أنّ حازمًا أراد أن يضع متنًا في علوم العربيّة على نحو ألفيّة ابن معطٍ (ت628هـ)، وألفيّة ابن مالك (ت672ه) ثمّ وقف عن إتمامها فلم يبلغ بها ألف بيت(5)، ولا أعلم علامَ استند فخر الدين قباوة في قوله: إنّ هذه المنظومة تقع في ألف بيت إلّا أن يكون قد اعتمد على ما أورده السيوطيّ (ت911ه) في تحفة الأديب من قوله عند عدّ مؤلفات حازم: «وقصيدة ميميّة في النحو ألف بيت»(6)، ولعلّ هذا وهمٌ من السيوطيّ والله أعلم، والغريب أنّ فخر الدين قباوة يحيل إلى ديوان حازم(7) الذي ورد فيه فقط مئتان وسبعة عشر بيتًا من المنظومة الميميّة في النحو!
** **
الحواشي:
(1) انظر القرطاجني، حازم: ديوان حازم القرطاجني، تحقيق: عثمان الكعّاك، دار الثقافة، بيروت، لبنان، د.ط، 1964م، ص123-ص133
(2) ابن هشام: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار اللباب، إصطنبول، تركيا، الطبعة الثانية، 1439هـ/ 2018م، ص134، حاشية: 2.
(3) ابن هشام: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: عبد اللطيف الخطيب، المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون، الكويت، الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2000م، جـ2، ص58، حاشية: 4.
(4) انظر ديوان حازم القرطاجني، ص123-ص133.
(5) انظر القرطاجني، حازم: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمّد بن الحبيب خوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1986م، ص87، ص88، (قسم الدراسة من التحقيق).
(6) السيوطيّ، جلال الدين: تحفة الأديب في نحاة مغني اللبيب، تحقيق: حسن الملخ وسُهى نعجة، عالم الكتب الحديث، الطبعة الثانية، 1419هـ/ 2008م، جـ1، ص226.
(7) ورد سهوٌ في عند قباوة في أرقام صفحات الإحالة إلى ديوان حازم، فقد أورد 223-233، والصواب هو 123-133.