د. عدنان المهنا
** أقول(مقتبساً):
إن الفكر الوجداني النفسي المتواشج يحدث انسجاماً بهيجاً بين القلب والعقل..!
فيتجلى «أدب الإخوانيات» شعراً ونثراً بأفق خاص وجمالية مرتبة تشكل نسيجاً متمرساً وبلاغات درامية كتابية أو منبرية، كما يرتهن بجدلية الحوار وبمنطق البيان الذي يحوك دلالات شتى تنسب إبداعباً أو نقدياً بين شخصيتين!!
ولهذا الأفق.. متغير إبداعي خصيب هو الأنموذج في صدق العشق وفي حب الإخوان.
ولعل «الإخوان» إن نسيوا كل شيء.! فلن ينسوا وعداً لهم صادقاً قوياً يحفظونه «بأخوتهم» في عمق الذاكرة.. وعدا بترويض الوقت والمسافة لإخوانهم ومن أجلهم!.
يقول الأستاذ الدكتور «عبدالسلام عبدالحفيظ» في تقديمه لكتاب استاذنا القدير «حماد السالمي» أشعار المحبين إلى يوسف عز الدين «أدب الإخوانيات.. شعره ونثره نبع من قلوب أخوة متحابين أو متعاتبين» يتهامسون فيما بينهم أو يتندرون بما تتوارد به أو فيه خواطرهم وكل ذلك يطبعه بالطابع الفردي أو الذاتي المحدود الأثر والقيمة، ومن هنا نشأت تقاليد النشر الأدبي منذ مطلع القرن الميلادي العشرين أن تحتفظ لهذا الأدب الإخواني بذاتيته فلا يشيع وفرديته، فلا يعم وخصوصيته بين متبادليه..
(الموصلي والإخوانيات)
** أجل..
لقد أتى «أدب الإخوانيات» حراً ليطلب من الإخوان عمومًا التفاؤل وتوظيف طاقات حبهم أو عتبهم.. أتى بمساحة قلوبهم المشبوهة به، غاية الارتباط الإخواني بالمعنى والحرف والتذوق.. وقد انقدح «عقلي.. وقلبى» أثراً وشرارة فخر وأنا أكتب في الورقاء ضمت المفكرين والأدباء هذه العبارات كلها موسومة بالاحتكام إلى نظرية الإخوانيات حين «حدث في ليلة تكريم البروفسور يوسف عز الدين».. فكان كتابي المتواضع منبعاً لتأكيد مجد الحب «الإخوانيات يوسف عز الدين» على مختلف ألوان وأفق كتاب أستاذي حماد السالمي «أشعار المحبين إلى يوسف عزالدين» والذي يعد أول كتاب في نوعه في هذا الباب، بل لعله بالفعل إضافة جديدة إلى المكتبة العربية في الوقت الذي يرى فيه «حماد السالمي» «فناً عرفه الأدب العربي حين جاء ليجسد علاقات خاصة بين العلماء والفقهاء والشعراء والادباء..» ويقول السالمي «جاء في الأثر إن بعضهم سئل ذات يوم عن الأخوة، فقال: هي الموافقة في التشاكل، وقال إبراهيم الموصلي «قلت لأحد أسباط الشيباني: صف لي الأخوة وأوجز، فقال أغصان (تغرس في القلوب فتثمر على قدر العقول).. وقيل لبعض الحكماء: ما الأصدقاء فقال (نفس واحدة في أجساد متفرقة).
صدق «السالمي»..
فالإخوانيات نوازع وجدانية توسمت برسم بياني مدروس يشغل «مجرد الثانية» في تحرير صيرورة الأخوة وتناسقها وضرورة حضورها..
إن العلاقات الاستبدالية عن «منحنى الأخوة» وحسن تقديرها لهو المنظومة المرجعية الحرة التي تترك للعطاء تجريداً وتلمح ترجمة «التوقير» أو «العتب» بلا رتوش بل بهمسة الحب والفخر والتمجيد!
(إخوانيات عبر التاريخ)
**إن جل الأدباء والشعراء والمفكرين أخذتهم «الإخوانيات» فمارسوا أدبها وفنها وسبروا أغوار معناها واحتمالاتها، مما جعل «ميثاق الحب» المتداول بتوطيد ليعاينه الآخرون بشكل عز نظيره في نتاج الفكر..
وهؤلاء.. تذوقوا فناً أدبياً إبداعياً قائماً بذاته ما جعلهم يستجلون العطاء الإخواني بوسم ذاتي مهاري وشعور حاسم طافح وبرغبة عارمة في تلمس واستدراك النوابض الإخوانية والتوغل فيها!! وإن كان من هؤلاء «أحمد رامي وصالح جودت وأحمد باعطب ويوسف عز الدين وأحمد الشامي وإبراهيم حقي وأحمد الصالح وعمر الجارم والشاعر القروي وعائكة الخزرجي وأحمد الخطيب ومحمد حسن فقي وحسين عرب وعبدالله الحقيل وعثمان الصالح وعبدالله القرعاوي وأحمد الضبيب وحمد القاضي وعبدالله بن إدريس و... و... وسواهم كثر.. كثر لا تحضرني أسماؤهم وأجهل معظمهم..» إلا أن اهتمامات «الإخوان» لم ترتهن بزمن حاضر ولم تتقيد بإستراتيجية أزلية حضارية واحدة، لأنها احتكمت بشتى التجليات الزمانية والمكانية «عبر التاريخ».. فكانت عطاء يوقف المتأمل على «بلاغة فنية» لكل فرد نظم قصيدة أو نثر عبارة.
(منهج ومصطلح حر!)
** نعم إن «أدب الإخوانيات»
منهج ومصطلح حر يوقفنا على نسيج أخوي مميز وتقص للمتون وارتهان للفرضيات العاطفية والعقلية الفكرية العذبة القائمة على (نظرية الحب)..
**وهي نظرية فكرية وإبداعية وجدانية مستقلة.. ذات أبعاد فنية خاصة وذات منظومات اصطلاحية، يملك مفرداتها «الإخوان» وتتوافق مع تاريخهم وحضارتهم.. إنها «نظرية الإخوانيات».
وما دامت «نظرية خاصة» فلا بأس كما قلت بالورقاء.. من دراستها.. وتبيان مصطلحاتها.. فإنه من المفيد التأكد على أنها منهج تكاملي في فنون الإخوانيات، يرهف الأحاسيس العاشقة.. فتغبط الإخوان على أفقهم الفكري الواسع بها ومنها.. ونتنهد معهم.. بل ونلتزم بترويض ذواتنا حين يشعلون بها كل صباباتهم.. وحتى نلبس كسوة الإخوانيات مثلهم:
«أُنثروا علي لحظ فراستكم»
مضفوراً (لآهاتهم)..!